‌‌باب ما جاء الدال على الخير كفاعله4

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء الدال على الخير كفاعله4

حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا وكيع، وعبد الرزاق، عن سفيان، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم كفل من دمها، وذلك لأنه أول من أسن القتل» وقال عبد الرزاق: «سن القتل». هذا حديث حسن صحيح

مِن سُنَنِ اللهِ تعالَى في خَلْقِه ومِن عدْلِه وحِكمتِه أنَّ مَنِ ابتدعَ في الدِّينِ أو سَنَّ سُنَّةً سيِّئَةً، فإنَّ عليه وِزْرَ ذلك وَوِزْرَ مَن عمِلَ بها إلى يومِ القِيامةِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه لَمَّا كانَ ابنُ آدمَ الأوَّلُ الَّذي قتَلَ أخاهُ هو أوَّلَ مَن سَنَّ القَتلَ بِغيرِ حقٍّ؛ فإنَّ عليه وِزْرًا وكِفلًا -أي: نَصيبًا- مِن كُلِّ قتْلٍ يَحدُثُ إلى يومِ القِيامةِ. وابنُ آدَمَ الأوَّلُ هو الَّذي قصَّ اللهُ سُبحانَه وتعالَى علينا قِصَّتَه في سُورةِ المائدةِ في قولِه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 27 – 30]، أي: فزيَّنتْ لأحد ابني آدم نفْسُه الأمَّارةُ بالسُّوءِ قتْلَ أخيهِ ظُلمًا، فقَتَلَه، فأصبَحَ بسَببِ ذلك مِن النَّاقِصينَ أنفُسَهم حُظوظَهم في دُنْياهم وأُخْراهم.
وفي هذا حثٌّ على اجتِنابِ البِدَعِ والمحدَثاتِ في الدِّينِ؛ لأنَّ الَّذي يُحدِثُ البِدعةَ ربَّما تَهاوَنَ بها لخِفَّةِ أمْرِها في الأوَّلِ، ولا يَشعُرُ بما يَترتَّبُ عليها مِن المفسَدةِ، وهو أنْ يَلحَقَه إثمُ مَن عَمِلَ بها مِن بعْدِه؛ إذ كان هو الأصلَ في إحداثِها، كما أخرَجَ مُسلمٌ في صَحيحِه عن جَريرِ بنِ عبدِ اللهِ البَجَليِّ رَضيَ اللهُ عنه، قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَنةً، فعُمِل بها بعْدَه، كُتِب له مِثلُ أجْرِ مَن عمِلَ بها، ولا يَنْقُصُ مِن أُجورِهم شَيءٌ، ومَن سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً سيِّئةً، فعُمِلَ بها بعْدَه، كُتِب عليه مِثلُ وِزرِ مَن عَمِلَ بها، ولا يَنقُصُ مِن أوزارِهم شَيءٌ».
وفي الحديثِ: تَحريمُ دَمِ المسلمِ إلَّا بالحقِّ، كما قال اللهُ تعالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء: 33].