باب: ومن سورة والنجم7
سنن الترمذى
حدثنا أحمد بن عثمان قال: حدثنا أبو عاصم، عن زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس، {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم} [النجم: 32] قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن تغفر اللهم تغفر جما، وأي عبد لك لا ألما»: «هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث زكريا بن إسحاق»
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَتمثَّلُ بَبعضِ الأبياتِ مِن شِعر العربِ إذا أعجبَتْه وكان فيها حِكمةٌ وفائدةٌ، وفي هذا الحَديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما في قولِه تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم: 32]، وكبائرُ الإثمِ: قيل: هو كلُّ ذنبٍ فيه حدٌّ، والفواحشُ: ما فيه وعيدٌ، أو مختصٌّ بالزِّنا، والمرادُ بهما على وجهِ العمومِ: كلُّ ذنبٍ توعَّد اللهُ عليه بالنَّارِ، أو جعَل له حدًّا، أو ذمَّ فاعِلَه ذمًّا شديدًا، واللَّمَمُ: صغائرُ الذُّنوبِ، وقيل: ما كان دون الزِّنا، مِن القُبلةِ والغَمْزةِ والنَّظرةِ إذا اختصَّتِ الفواحشُ بالزِّنا.
"قال"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، كما في رِوايةٍ عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنهما في قولِه تعالى: {إِلَّا اللَّمَمَ}، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إن تغفِرِ اللَّهمَّ تَغفِرْ جمَّا"، أي: مِن شأنِك غُفرانُ الكثيرِ مِن الذُّنوبِ، "وأيُّ عبدٍ لك لا ألَمَّا"؟! أي: وليس هناك عبدٌ إلَّا وقدِ اقتَرفَ مِن صغائرِ تلك الذُّنوبِ؛ فهم غيرُ معصومينَ منها، وهذا القولُ هو بيتُ شِعرٍ لأُميَّةَ بنِ أبي الصَّلتِ، استشهَدَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم على أنَّ المؤمنَ لا يَخْلو مِن اللَّمَمِ، وليس فيه أنَّه يَقولُ الشِّعرَ مِن عندِ نفسِه، وقولُه تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69]، يَنْفي إنشاءَ الشِّعرِ لا إنشادَه؛ لأنَّه ردٌّ لقولِهم: {هُوَ شَاعِرٌ} [الأنبياء: 5].