‌‌باب ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها؟

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها؟

حدثنا الأنصاري قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة، أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري، أخبرتها أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، وأن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا، حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم فقتلوه، قالت: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي، فإن زوجي لم يترك لي مسكنا يملكه ولا نفقة، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم»، قالت: فانصرفت، حتى إذا كنت في الحجرة، أو في المسجد، ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أمر بي فنوديت له، فقال: «كيف قلت؟»، قالت: فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي، قال: «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله»، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا، قالت: فلما كان عثمان أرسل إلي، فسألني عن ذلك، فأخبرته، فاتبعه وقضى به حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة فذكر نحوه بمعناه.: «هذا حديث حسن صحيح»، " والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: لم يروا للمعتدة أن تنتقل من بيت زوجها حتى تنقضي عدتها، وهو قول سفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق «،» وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: للمرأة أن تعتد حيث شاءت، وإن لم تعتد في بيت زوجها ".: «والقول الأول أصح»
‌‌

كان الصَّحابةُ رضِي اللهُ عنهم إذا عَنَّ لهم شيءٌ توَجَّهوا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَستَفْتونه ويَسألونَه؛ لكي يُزيلَ عنهم ما هو مُشكِلٌ وغيرُ واضحٍ في أمورِ دِينِهم ودُنياهم.
وفي هذا الحَديثِ أنَّ الفُرَيعةَ بنتَ مالكِ بنِ سِنانٍ، وهي أختُ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ "جاءَتْ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَسألُه أن تَرجِعَ إلى أهلِها في بَني خُدْرةَ؛ فإنَّ زوجَها خرَج في طلَبِ أعبُدٍ له أبَقُوا"، يَعني: أنَّ عَبيدًا ومَماليكَ له هرَبوا منه، "حتَّى إذا كانوا بطرَفِ القَدُّومِ لَحِقَهم فقَتلُوه"، أي: إنَّ العَبيدَ لَمَّا أدرَكَهم في طرَفِ القَدُّومِ، وهو موضعٌ في المدينةِ، قتَلوه، فجاءَت الفُريعَةُ، فقالتْ: "فسألتُ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن أرجِعَ إلى أهلي"، يَعني: استأذنَتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن تنتَقِلَ إلى بيتِ أهلِها، ثمَّ قالَت: "فإنِّي لم يَترُكْني في مَسكَنٍ يَملِكُه ولا نفَقةٍ"، تَعني: أنَّ زوجَها ترَكَها في منزلٍ وبيتٍ ليس مِن مُمتلَكاتِه، ولا ترَك مالًا تُنفِقُ منه على نفسِها، "قالت"، أي: الفُريعةُ: "فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "نعَم"، يَعني: رخَّص لها في الانتِقالِ إلى بيتِ أهلِها.
قالَت: "فخرَجتُ"، تَعني: مِن عِندِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "حتَّى إذا كنتُ في الحُجرةِ أو في المسجدِ دَعاني"، تَعني: ناداني صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "أو أمَر بي فدُعيتُ له"، أي: أمَر أحدًا أن يَستدعيَني له، "فقال: "كيف قُلتِ؟"، يَعني: ما الذي قُلتِه؟ "فردَدتُ عليه القِصَّةَ التي ذكَرتُ مِن شأنِ زوجي"، أي: أعَدتُ عليه القصَّةَ مرَّةً أخرى، فقالت: "فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "امكُثي"، أي: اقعُدي "في بيتِك الَّذي كنتِ فيه حتَّى يَبلُغَ الكتابُ أجَلَه"، أي: حتَّى تَمضِيَ الأربعةُ الأشهُرِ والعشَرةُ الأيَّامِ الَّتي هي مُدَّةُ العِدَّةِ، قالت: "فاعتدَدتُ فيه أربعةَ أشهُرٍ وعشرًا"، تَعني: أكمَلتُ العدَّةَ في هذا البيتِ، وهي أربعةُ أشهُرٍ وعشَرةُ أيَّامٍ.
ثمَّ قالَت: "فلمَّا كان عثمانُ بنُ عفَّانَ أرسَل إليَّ فسَألني عن ذلك فأخبرتُه، فاتَّبعَه وقَضَى به"، أي: إنَّه لَمَّا جاءتْ خلافةُ عُثمانَ بنِ عفَّانَ رضِي اللهُ عنه أَرْسَلَ إليها وسألَها، فلمَّا أَخبَرَتْه بالقِصَّةِ اتَّبَعَ ذلك، وقضَى بأنَّ المرأةَ تَعتَدُّ في بيتِ زوجِها عدَّةَ الوفاةِ.
وفي الحديثِ: أنَّ للمُتوفَّى عنها زوجُها السُّكْنى، وأنَّها لا تَعتدُّ إلَّا في بيتِ زوجِها.