باب ما جاء فى الأكل من أعلى الصحفة
حدثنا عمرو بن عثمان الحمصى حدثنا أبى حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن عرق حدثنا عبد الله بن بسر قال كان للنبى -صلى الله عليه وسلم- قصعة يقال لها الغراء يحملها أربعة رجال فلما أضحوا وسجدوا الضحى أتى بتلك القصعة - يعنى وقد ثرد فيها - فالتفوا عليها فلما كثروا جثى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال أعرابى ما هذه الجلسة قال النبى -صلى الله عليه وسلم- « إن الله جعلنى عبدا كريما ولم يجعلنى جبارا عنيدا ». ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « كلوا من حواليها ودعوا ذروتها يبارك فيها ».
علم النبي صلى الله عليه وسلم أمته التواضع لله في كل الأمور، وكان يفعل بنفسه ما يدل على ذلك؛ فيعلمنا بالفعل كما يعلمنا بالقول
وفي هذا الحديث يقول عبد الله بن بسر رضي الله عنه: "كان للنبي صلى الله عليه وسلم قصعة"، والقصعة: الإناء الكبير من الخشب، "يقال لها"، أي: اسمها: "الغراء، يحملها أربعة رجال"، وهذا بيان لعظمها وكبرها، "فلما أضحوا وسجدوا الضحى"، أي: أصبحوا، وصلوا صلاة الصبح، "أتي بتلك القصعة- يعني: وقد ثرد فيها-"، أي: وضع فيها الثريد، والثريد: الخبز المقطع الذي وضع عليه اللحم والمرق، وكان من أفضل طعامهم؛ "فالتفوا عليها"، أي: اجتمعوا حولها للأكل، "فلما كثروا"، أي: كان عدد الآكلين على القصعة كثيرا، "جثا رسول الله صلى الله عليه وسلم"، أي: جلس على ركبتيه
فقال أعرابي: "ما هذه الجلسة؟" قيل: كأن الأعرابي استحقرها واستقلها في منزلة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله جعلني عبدا كريما"، أي: متواضعا سخيا، أي: تلك الجلسة جلسة تواضع وإن عظم صاحبها لا جلسة احتقار، "ولم يجعلني جبارا"، والجبار: هو المتكبر المتمرد بكبره، "عنيدا"
قال عبد الله بن بسر: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلوا من حواليها"، أي: ليأكل كل منكم مما يليه ومن أطرافها، "ودعوا ذروتها"، أي: ولا تتعجلوا إلى وسطها وأعلاها، "يبارك فيها" أي: إن هذا سبب ليبارك الله لكم في هذا الطعام
وفي الحديث: الحث والإرشاد إلى التواضع لله تعالى
وفيه: أن البركة في الاجتماع على الطعام مع الأكل من جوانبه