‌‌باب ما جاء في الدعاء عند الأذان

‌‌باب ما جاء في الدعاء عند الأذان

حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل، حدثنا علي بن عياش، حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال: حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة "

عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ ) بِالْيَاءِ الْأَخِيرَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ ، وَهُوَ الْحِمْصِيُّ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ يَلْقَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ غَيْرُهُ . قَالَهُ الْحَافِظُ ( مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ ) أَيِ الْأَذَانَ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ نِدَاءَ الْمُؤَذِّنِ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَقُولُ : الذِّكْرُ الْمَذْكُورُ حَالَ سَمَاعِ الْأَذَانِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِفَرَاغِهِ ، لَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ النِّدَاءِ تَمَامُهُ إِذِ الْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْكَامِلِ ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ قُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ ، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ 32 فَفِي هَذَا أَنَّ ذَلِكَ يُقَالُ عِنْدَ فَرَاغِ الْأَذَانِ . قَالَهُ فِي الْفَتْحِ ( اللَّهُمَّ ) يَعْنِي يَا اللَّهُ وَالْمِيمُ عِوَضٌ عَنِ الْيَاءِ فَلِذَلِكَ لَا يَجْتَمِعَانِ . قَالَهُ الْعَيْنِيُّ ( رَبَّ ) مَنْصُوبٌ عَلَى النِّدَاءِ وَيَجُوزُ  رَفْعُهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ، أَيْ أَنْتَ رَبُّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ ، وَالرَّبُّ الْمُرَبِّي الْمُصْلِحُ لِلشَّأْنِ ، وَلَمْ يُطْلِقُوا الرَّبَّ إِلَّا فِي اللَّهِ وَحْدَهُ وَفِي غَيْرِهِ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِمْ رَبُّ الدَّارِ وَنَحْوَهُ ، قَالَهُ الْعَيْنِيُّ ( هَذِهِ الدَّعْوَةِ ) بِفَتْحِ الدَّالِ . وَفِي الْمُحْكَمِ الدَّعْوَةُ وَالدِّعْوَةُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ . قُلْتُ : قَالُوا الدَّعْوَةُ بِالْفَتْحِ فِي الطَّعَامِ وَالدِّعْوَةِ بِالْكَسْرِ فِي النَّسَبِ وَالدُّعْوَةُ بِالضَّمِّ فِي الْحَرْبِ ، وَالْمُرَادُ بِالدَّعْوَةِ هَاهُنَا أَلْفَاظُ الْأَذَانِ الَّتِي يُدْعَى بِهَا الشَّخْصُ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى . قَالَهُ الْعَيْنِيُّ وَفِي الْفَتْحِ زَادَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالْمُرَادُ بِهَا دَعْوَةُ التَّوْحِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ( التَّامَّةِ ) صِفَةٌ لِلدَّعْوَةِ وُصِفَتْ بِالتَّمَامِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ نَقْصٌ ، أَوِ التَّامَّةِ الَّتِي لَا يَدْخُلُهَا تَغْيِيرٌ وَلَا تَبْدِيلٌ ، بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ النُّشُورِ ، أَوْ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَسْتَحِقُّ صِفَةَ التَّمَامِ وَمَا سِوَاهَا فَمُعَرَّضٌ لِلْفَسَادِ . وَقَالَ ابْنُ التِّينِ : وُصِفَتْ بِالتَّامَّةِ ، لِأَنَّ فِيهَا أَتَمَّ الْقَوْلِ وَهُوَ : لَا إِلَهِ إِلَّا اللَّهُ . وَقَالَ الطِّيبِيُّ : مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى قَوْلِهِ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ هِيَ الدَّعْوَةُ التَّامَّةُ ( وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ ) أَيِ الدَّائِمَةِ الَّتِي لَا يُغَيِّرُهَا مِلَّةٌ ، وَلَا يَنْسَخُهَا شَرِيعَةٌ وَأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ( آتِ ) أَيِ اعْطِ وَهُوَ أَمْرٌ مِنَ الْإِيتَاءِ وَهُوَ الْإِعْطَاءُ ( الْوَسِيلَةَ ) هِيَ الْمَنْزِلَةُ الْعَلِيَّةُ وَقَدْ فَسَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : " فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ " كَمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ ، وَوَقَعَ هَذَا التَّفْسِيرُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَيْضًا ( وَالْفَضِيلَةَ ) أَيِ الْمَرْتَبَةَ الزَّائِدَةَ عَلَى سَائِرِ الْخَلَائِقِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَنْزِلَةٌ أُخْرَى أَوْ تَفْسِيرًا لِلْوَسِيلَةِ ( وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا ) أَيْ يُحْمَدُ الْقَائِمُ فِيهِ ، وَهُوَ مُطْلَقٌ فِي كُلِّ مَا يَجْلُبُ الْحَمْدَ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَرَامَاتِ ، وَنُصِبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيِ ابْعَثْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَقِمْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا أَوْ ضَمَّنَ ابْعَثْهُ مَعْنَى أَقِمْهُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ ، وَمَعْنَى ابْعَثْهُ أَعْطِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا أَيِ ابْعَثْهُ ذَا مَقَامٍ مَحْمُودِ . قَالَهُ الْحَافِظُ : وَقَالَ فِي الْمِرْقَاةِ : وَإِنَّمَا نَكَّرَ الْمَقَامِ لِلتَّفْخِيمِ أَيْ مَقَامًا يَغْبِطُهُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ مَحْمُودًا يَكِلُّ عَنْ أَوْصَافِهِ أَلْسِنَةُ الْحَامِدِينَ 
( الَّذِي وَعَدْتَهُ ) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْمُرَادُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ الْوَعْدُ لِأَنَّ عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاقِعٌ كَمَا صَحَّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَغَيْرِهِ ، وَالْمَوْصُولُ إِمَّا بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَلَيْسَ صِفَةً لِلنَّكِرَةِ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِمَا : الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَيَصِحُّ وَصْفُهُ بِالْمَوْصُولِ . قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الشَّفَاعَةُ ، وَقِيلَ إِجْلَاسِهِ عَلَى الْعَرْشِ ، وَقِيلَ عَلَى الْكُرْسِيِّ ، وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا يَبْعَثُ اللَّهُ النَّاسَ فَيَكْسُونِي رَبِّي حُلَّةً خَضْرَاءَ فَأَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَقُولَ فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ الْمَذْكُورِ هُوَ الثَّنَاءُ الَّذِي يُقَدِّمُهُ بَيْنَ يَدَيِ الشَّفَاعَةِ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ هُوَ مَجْمُوعُ مَا يَحْصُلُ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ . قَالَهُ الْحَافِظُ ( إِلَّا ) وَفِي الْبُخَارِيِّ بِدُونِ إِلَّا وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَأَمَّا مَعَ إِلَّا فَيُجْعَلُ مَنْ فِي قَوْلِهِ مَنْ قَالَ اسْتِفْهَامِيَّةٌ لِلْإِنْكَارِ . قَالَهُ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ ( حَلَّتْ لَهُ ) أَيْ وَجَبَتْ وَثَبَتَتْ ( الشَّفَاعَةُ ) فِيهِ بِشَارَةٌ إِلَى حُسْنِ الْخَاتِمَةِ وَالْحَضُّ عَلَى الدُّعَاءِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّهُ حَالُ رَجَاءِ الْإِجَابَةِ . قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ