باب ما جاء في إكثار ماء المرقة
سنن الترمذى
حدثنا الحسين بن علي بن الأسود البغدادي قال: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي قال: حدثنا إسرائيل، عن صالح بن رستم أبي عامر الخزاز، عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحقرن أحدكم شيئا من المعروف، وإن لم يجد فليلق أخاه بوجه طلق، وإن اشتريت لحما أو طبخت قدرا فأكثر مرقته واغرف لجارك منه» هذا حديث حسن صحيح وقد روى شعبة، عن أبي عمران الجوني
_________
حَثَّ الشرعُ الحَكيمُ على جَميعِ أنواعِ المعروفِ، كالإحسانِ إلى النَّاسِ ومُعامَلتِهم مُعاملةً حَسنةً، حتى لو كان ذلك أمرًا هيِّنًا لا يُكلِّفُ المرءَ كثيرَ فِعلٍ، كالابتسامةِ في وجوه الناس؛ ونهى عن احتِقارِ أو استصغارِ أيِّ معروفٍ؛ فقد يكون له فَضلٌ عظيمٌ وأجرٌ كبيرٌ عِندَ اللهِ تعالى، وفي هذا الحديثِ يقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لا يَحقِرَنَّ"، أي: لا يَستقِلَّ "أحَدُكم" أيُّها المسلِمون، "شيئًا"، فيَترُكَه لقِلَّتِه؛ فقد يكونُ هذا الشَّيءُ هو الَّذي يَنالُ به رِضا اللهِ تعالى، "مِن المعروفِ"، وهو اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما عُرِفَ من طاعةِ اللهِ تعالى والإحسانِ إلى النَّاسِ، "وإنْ لم يَجِدْ" شيئًا مِن المعروفِ إلَّا اللِّقاءَ لأخيه، "فَلْيَلقَ"، أي: فَلْيَكُنْ لِقاؤُه ومُقابلتُه، "أخاه" المسلِمَ، "بوجهٍ طليقٍ"، أي: سَهلٍ مُنبسِطٍ ضاحكٍ غيرِ عَبوسٍ، فيه مِن البَشاشةِ ما يُظهِرُ السُّرورَ بلِقاءِ أخيه، "وإذا اشتَريتَ لحمًا" أي: لِتَأكُلَه أنت وعِيالُك، ويَدخُلُ فيه مِن بابِ الأَوْلى إذا ذبَح الإنسانُ ذَبيحةً، "أو" للشَّكِّ أو التَّنويعِ، "طبَختَ قِدْرًا"، أي: طبَختَ لحمًا أو غيرَه في القِدْرِ، "فأكثِرْ مرَقتَه"، أي: مرَقةَ الطَّعامِ الَّذي تَطبُخُه مِن اللَّحمِ أو غيرِه، والمرَقُ هو الماءُ الَّذي يُغْلى فيه اللَّحمُ فيَصيرُ دَسِمًا "واغرُفْ لجارِك مِنه"، أي: أعطِ جارَك ولو غَرْفةً مِن هذا المرَقِ من بابِ التَّهادي والتَّحابُبِ بينَ النَّاسِ؛ لِتُوسِّعَ عليهم، وقد أَوصَى الشَّرعُ عمومًا بالجارِ؛ فالجارُ المُسلِمُ له حقُّ الجوارِ وحقُّ الإسلامِ، وإنْ كان الجارُ غيرَ مُسلِمٍ فله حقُّ الجوارِ.
وفي الحديثِ: الحَثُّ على بذْلِ المعروفِ وما تَيسَّر مِنه وإن قلَّ، وإدخالِ السُّرورِ على المسلِمين، والإحسانِ إلى الجارِ.