باب ما جاء في حب النبي صلى الله عليه وسلم الحلواء والعسل
سنن الترمذى
حدثنا سلمة بن شبيب، ومحمود بن غيلان، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، قالوا: حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل» هذا حديث حسن صحيح غريب، وقد رواه علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، وفي الحديث كلام أكثر من هذا
رُبَّما كان مِن نِساءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَن يَقَعُ منها في حَقِّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِثْلُ ما يَقَعُ مِنَ النِّساءِ في حَقِّ أزواجِهِنَّ مِنَ الغَيرَةِ وما شابَه ذلك.
وفي هذا الحَديثِ تروي عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُحِبُّ الحَلْواءَ والعسَلَ، وكان إذا صَلَّى العصرَ مرَّ على نِسائِه؛ ليطَّلِعَ على أحوالِهنَّ، ومن كان لها حاجةٌ، فدَخَلَ على أمِّ المُؤمِنينَ حَفْصةَ بنتِ عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهما، فَجَلَسَ عندها مُدَّةً أكثَرَ مِنَ المعهودِ في هذا الوقتِ، فسَأَلتْ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها عن سَببِ ذلك، فعَلِمَتْ أنَّها أُهدِيَ إليها عُكَّةُ عَسَلٍ، وهو وِعاءٌ صَغيرٌ به عَسَلٌ، فَشَرِبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منه، فأخَذَ عائشةَ رضِي اللهُ عنها ما يَأخُذُ النِّساءَ مِن غَيْرةٍ جَبَلَهنَّ اللهُ عليها، فاتَّفقتْ هي وسَوْدةُ وصَفيَّةُ رِضوانُ اللهِ عليهنَّ أنْ يَقُمنَ بِحيلٍة على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لمنع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من ذلك، واتَّفقتْ عائشةُ معهما أنَّه إذا اقتربَ مِن أيٍّ منْهنَّ أن تسألَه وتقولَ له: «يا رسولَ الله، أكَلْتَ مَغافيرَ؟» وهو صَمغٌ حُلوٌ له رائحةٌ كريهةٌ، وتَقِفُ عليه النَّحلُ، فسَيقولُ لها: إنَّه لم يَأكُلْ مَغافيرَ، فتَقولُ إحداهنَّ له: ما هذه الرِّيحُ التي ظهرت منك؟! وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَكْرَهُ أنْ تُشَمَّ منه رائحةٌ غيْرُ طيِّبةٍ، فسَيقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: سقَتْني حَفصةُ عَسَلًا، فتَقولُ إحداهنَّ: رَعَتِ النَّحلةُ وجَنَتْ مِن شَجرِ العُرْفُطِ الذي يُثمِرُ المغافيَر، واتَّفقْنَ على فِعل ذلك، فلمَّا دخَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على سَوْدةَ رضِيَ اللهُ عنها، قالتْ: والَّذي لا إله إلَّا هو لَقدْ كُنتُ سَأُناديه بما اتَّفَقْنا عليه وهو على البابِ قبل أن يَدخُلَ؛ خَوْفًا مِن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها، ثُمَّ قالتْ له سَوْدةُ ما اتَّفقْنَ عليه، وكذلك صَفيَّةُ وعائشةُ رِضوانُ الله عليهنَّ، فلمَّا سَمِعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منهنَّ ذلك، ودخَلَ مرةً أُخرى على حَفصةَ رضِيَ اللهُ عنها، قالتْ له: ألَا أَسْقِيكَ مِنَ العسَلِ؟ فقال لها: «لا حاجةَ لي به»، فقالتْ سَوْدةُ رضِي اللهُ عنها مُتعَجِّبةً مِن فِعْلِهنَّ: سُبحانَ اللهِ! لقدْ حَرَمناهُ مِنَ العَسلِ، فقالتْ لها عائشةُ: اسكُتي؛ وذلك لِئلَّا يَظهَرَ ما دبَّرتْه لحَفصةَ رضِيَ اللهُ عنها، وهذا منها على مُقتضى طَبيعةِ النِّساءِ في الغَيرةِ.
وفي حَديثٍ آخرَ في الصَّحيحينِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شَرِبَ العسلَ في بيْتِ زينبَ بنتِ جَحشٍ رضِيَ اللهُ عنها، والجمْعُ بيْن هذا الاختلافِ: الحمْلُ على التَّعدُّدِ، واختِلافِ القِصَّةِ.
وقيل: الأرجَحُ أنَّها زَينبُ؛ لأنَّ نِساءَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كُنَّ حِزبَينِ: عائِشةُ وحَفصةُ وسَودةُ وصَفِيَّةُ في حزبٍ، وزينبُ بنتُ جَحشٍ وأمُّ سَلَمةَ والباقياتُ في حِزبٍ، وهذا يرجِّحُ أنَّ زينبَ هي صاحِبةُ العَسَلِ؛ لأنَّها المنافِسةُ لها.
وفي الحَديثِ: أنَّ الغَيْرةَ مَجبولةٌ في النِّساءِ طَبْعًا.
وفيه: بَيانُ عُلوِّ مَرتبةِ عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حتَّى كانتْ ضَرَّتُها تَهابُها وتُطيعُها في كلِّ شَيءٍ تَأمُرُها به.