باب ما جاء في "إنما جعل الإمام ليؤتم به" 2

سنن ابن ماجه

باب ما جاء في "إنما جعل الإمام ليؤتم به" 2

حدثنا هشام بن عمار، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهريعن أنس بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صرع عن فرس فجحش شقه الأيمن، فدخلنا نعوده، وحضرت الصلاة، فصلى بنا قاعدا، وصلينا وراءه قعودا، فلما قضى الصلاة قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعين" (1).

علَّمَنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحكامَ صَلاةِ الجَماعةِ وآدابَها، ومِن ذلك مُتابَعةُ المأمومِ لإمامِه، والاقتداءُ به، والإنصاتُ إليه في القِراءةِ، مع الحِفاظِ على الخُشوعِ وانتظامِ الصفوفِ.

وفي هذا الحَديثِ يَروي أنسٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سقَط عن فَرسِه «فجُحِشَتْ ساقُه»، والجَحْشُ: الخَدْشُ أو أشَدُّ منه قليلًا، وقد أصابَهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع ذلك رَضٌّ في الأعضاءِ، ووجَعٌ منَعَه مِن القِيام في الصَّلاةِ، وقوله: «أو كَتِفُه» هذا شكٌّ مِن الرَّاوي أنَّه أُصيبَ في ساقِه أو كَتِفِه، وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد آلَى مِن نِسائِه شهرًا، أي: حلَف رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ألَّا يَدخُلَ على نسائِه مدَّةَ شَهرٍ، فجلَس في غُرفةٍ مُرتفعةٍ عن وجهِ الأرضِ، وقيل: هي أعْلَى البيتِ، شِبه الغُرفةِ، وقيل: الخِزانة، وهي بمَنزلةِ السَّطحِ لِما تحتَها، وكانت الدرجةُ الَّتي يَصعَدُ بها إلى الغُرفةِ مصنوعةً مِن ساقِ النَّخلِ، فجاء أصحابُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَزُورُونَه لمرَضِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا حضرَتْهمُ الصَّلاةُ صلَّى بهم وهو جالسٌ وهم قِيامٌ، فلمَّا سلَّمَ قال: «إنَّما جُعِلَ الإمامُ لِيُؤتَمَّ به» يُقْتدى به في أفعالِه وحَرَكاتِه، ومِن ذلك «فإذا كبَّر فكبِّروا» اتْبَعُوا الإمامَ في التَّكبيرِ ولا تَسبِقوه به، وإذا ركَع فاتبعُوهُ في رُكوعِه، وإذا سجَد فاتبعُوه في سُجودِه، «وإنْ صلَّى قائمًا فصَلُّوا قيامًا»، وفي الصَّحيحَينِ: «وإذا صلَّى جالسًا، فصَلُّوا جُلوسًا أجمَعونَ»، فتَكونُ هَيْئةُ المأمومينَ مِثلَ هَيْئةِ الإمامِ في الصَّلاةِ.ثمَّ نزَل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن غُرفتِه، ورجَع إلى نِسائِه بعْدَ تِسعٍ وعِشرينَ لَيلةً مِن حَلِفِه، فنبَّهَه الصَّحابةُ أنَّه أقسَمَ ألَّا يأتيَهُنَّ مدَّةَ شهرٍ، فقال: «إنَّ الشَّهرَ تِسعٌ وعِشرونَ» أي: أنَّ هذا الشَّهرَ الَّذي هم فيه إنَّما هو تِسعٌ وعِشرون يَومًا؛ لِثُبوتِ رُؤيةِ الهلالِ، وإلَّا فإنَّ الشَّهرَ ثلاثون يَومًا إذا لم يُرَ الهلالُ.

وفي هذا الحديثِ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَجوزُ عليه ما يَجوزُ على البَشَرِ مِن الأسقامِ ونَحوِها مِن غيرِ نَقْصٍ في مِقدارِه بذلك، بل لِيَزدادَ قَدرُه رِفعةً، ومَنصبُه جَلالةً.وفيه: العِيادةُ عندَ حُصولِ الخَدْشةِ ونَحوِها.وفيه: صلاةُ الإمامِ جالسًا عندَ عدَمِ قُدرتِه على القيامِ، ويَتبعُه في ذلك المأمومونَ.وفيه: تَنظيمُ الشَّرعِ لصَلاةِ الجَماعةِ بما يَحفظُ خُشوعَها ونِظامَها.وفيه: أنَّ الشَّهرَ لا يأتي كامِلًا دائمًا.