باب ما جاء في الأذان بالليل
سنن الترمذى
حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم»،: وفي الباب عن ابن مسعود، وعائشة، وأنيسة، وأنس، وأبي ذر، وسمرة، «حديث ابن عمر حديث حسن صحيح» وقد اختلف أهل العلم في الأذان بالليل، فقال بعض أهل العلم: إذا أذن المؤذن بالليل أجزأه ولا يعيد، وهو قول مالك، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق «،» وقال بعض أهل العلم: إذا أذن بليل أعاد، وبه يقول سفيان الثوري " وروى حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: أن بلالا أذن بليل، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادي: «إن العبد نام»: " هذا حديث غير محفوظ، والصحيح ما روى عبيد الله بن عمر، وغيره، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» وروى عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، «أن مؤذنا لعمر أذن بليل، فأمره عمر أن يعيد الأذان»، " وهذا لا يصح، لأنه عن نافع، عن عمر منقطع، ولعل حماد بن سلمة أراد هذا الحديث والصحيح رواية عبيد الله، وغير واحد، عن نافع، عن ابن عمر، والزهري، عن سالم، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن بلالا يؤذن بليل»: ولو كان حديث حماد صحيحا لم يكن لهذا الحديث معنى إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بلالا يؤذن بليل» فإنما أمرهم فيما يستقبل، فقال: «إن بلالا يؤذن بليل» ولو أنه أمره بإعادة الأذان حين أذن قبل طلوع الفجر لم يقل: «إن بلالا يؤذن بليل» قال علي بن المديني: " حديث حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم هو غير محفوظ، وأخطأ فيه حماد بن سلمة
مِن هَدْيِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ جَعَلَ للفجْرِ أذانينِ؛ الأوَّلُ: أذانٌ باللَّيلِ قبْلَ دُخولِ الوقتِ بمُدَّةٍ لِيَستيقظَ النائمُ، ويَنتبِهَ القائمُ، ويَتسحَّرَ مَن أراد الصِّيامَ. والثاني: أذانٌ عندَ دُخولِ وَقتِ الفجْرِ، وهو الذي يُمسِكُ الناسُ فيه عن الطَّعامِ والشَّرابِ، ويَبدَأُ الصَّومُ.
وفي هذا الحَديثِ بَيانُ ذلك، حيثُ يُبيِّنُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ بِلالًا يُؤذِّنُ في آخِرِ اللَّيلِ قبْلَ طُلوعِ الفَجْرِ، وعليه فلا تَنقطِعوا عن طَعامِكم وشَرابِكم، ولا تَبدؤوا صِيامَكم حتَّى يُؤذِّنَ ابنُ أمِّ مَكْتُومٍ، واسْمُه عَبدُ اللهِ، وقيل: عمْرُو بنُ زائدةَ؛ لأنَّه هو الذي يُؤذِّنُ بعْدَ طُلوعِ الفَجْرِ، وكان ابنُ أمِّ مَكْتُومٍ رجُلًا أعْمَى لا يُؤذِّنُ بصَلاةِ الصُّبحِ حتَّى يَتحقَّقَ طُلوعَ الفَجرِ ويُناديَ عليه النَّاسُ، ويُخبِروه بأنْ دخَلْتَ في الصَّباحِ، أو طلَعَ الصَّباحُ، فيَعلَمُ ابنُ أمِّ مَكتومٍ بذلك دُخولَ وَقتِ الفجْرِ بيَقينٍ، فيُؤذِّنُ.
وفي الحديثِ: أنَّ الطَّعامَ والشَّرابَ يُسمَحُ به لمَن أراد الصِّيامَ إلى آخِرِ وَقتٍ قَبْلَ الفَجْرِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ اتِّخاذِ مُؤذِّنينِ لمَسجدٍ واحدٍ.
وفيه: مَشروعيَّةُ كَونِ المُؤذِّنَ أعْمى.
وفيه: ذِكرُ الإنسانِ بما فيه مِن العاهاتِ؛ ليُستدَلَّ بذلك على ما يُحتاجُ إليه، إذا كان مَشهورًا بها ولم يُذكَرْ على سَبيلِ الذَّمِّ أو التَّنقُّصِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ أنْ يُنسَبَ الرَّجلُ إلى أُمِّه إذا كان مَعروفًا بذلك، مِثل ابنِ أُمِّ مَكْتُومٍ.