‌‌باب ما جاء في التسبيح والتكبير والتحميد عند المنام3

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في التسبيح والتكبير والتحميد عند المنام3

حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا إسماعيل ابن علية قال: حدثنا عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة، ألا وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل: يسبح الله في دبر كل صلاة عشرا، ويحمده عشرا، ويكبره عشرا "، قال: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده، قال: «فتلك خمسون، ومائة باللسان، وألف وخمس مائة في الميزان، وإذا أخذت مضجعك تسبحه وتكبره وتحمده مائة، فتلك مائة باللسان، وألف في الميزان، فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة»؟ قالوا: فكيف لا نحصيها؟ قال: " يأتي أحدكم الشيطان وهو في صلاته، فيقول: اذكر كذا، اذكر كذا، حتى ينفتل، فلعله ألا يفعل، ويأتيه وهو في مضجعه، فلا يزال ينومه حتى ينام ": «هذا حديث حسن صحيح»، وقد روى شعبة، والثوري، عن عطاء بن السائب، هذا الحديث، وروى الأعمش، هذا الحديث عن عطاء بن السائب مختصرا وفي الباب عن زيد بن ثابت، وأنس، وابن عباس

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُعلِّمُ الصَّحابةَ ويُرشِدُهم إلى ما يُقالُ مِن الأذكارِ بعدَ الصَّلاةِ، وعندَ النَّومِ، مُبيِّنًا فَضْلَ هذه الأذكارِ وعَظيمَ ثوابِها.
وفي هذا الحديثِ يُخبر عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: "خَصلَتان، أو خَلَّتان"، أي: صِفَتان "لا يُحافِظُ ويُداوِمُ علَيهما"، يعني: على هاتَينِ الخَصْلتَينِ عبدٌ مسلمٌ إلَّا دخَل الجنَّةَ، "هُما يَسيرٌ"، أي: إنَّ هاتَيْن الخَلَّتَين عَمَلُهما سَهلٌ وخفيفٌ، ولكنْ مَن يَعمَلُ بهما ويُداوِمُ عَليهِما عدَدُهم قليلٌ.
"يُسبِّحُ في دُبُرِ" أي: بَعدَ "كُلِّ صلاةٍ" مكتوبةٍ "عَشرًا"، عشْرَ مرَّاتٍ، "ويَحمَدُ" اللهَ "عَشرًا، ويُكبِّرُ" اللهَ "عَشرًا، فذلك" العمَلُ "خَمسونَ ومِئةٌ باللِّسانِ"؛ لأنَّها تُفعَلُ خمسَ مرَّاتٍ في اليومِ واللَّيلةِ كلَّ مرَّةٍ ثلاثون، ومَجموعُهم مِئةٌ وخَمسون، "وألفٌ وخَمسُ مِئةٍ في الميزانِ"، يَعني: أنَّها تَكونُ مُضاعَفةً؛ لأنَّ الحسَنةَ بعَشرِ أمثالِها، وهذه هي الخَصلَةُ الأولى.
أمَّا الخَصلةُ الثَّانيةُ فهي قولُه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ويُكبِّرُ أربعًا وثَلاثينَ إذا أخذ مَضجَعُه"، يَعني: إذا أراد النَّومَ، "ويَحمَدُ ثَلاثًا وثَلاثين، ويُسبِّحُ ثلاثًا وثَلاثين، فذلك" العَملُ عددُه "مِئةٌ باللِّسانِ، "وألفٌ في الميزانِ" يَعني: مُضاعَفين.
ثمَّ قال عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو: "فلَقَد رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَعقِدُها بيَدِه"، يعني: يَعُدُّها بأصابِعِه؛ يُكبِّرُ ويُسبِّحُ ويُهلِّلُ.
ثمَّ سأل الصَّحابةُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فقالوا: "يا رسولَ اللهِ، كيف هُما يَسيرٌ ومَن يَعمَلُ بهِما قليلٌ؟ قال: يَأتي أحَدَكم- يَعني: الشَّيطانَ- في مَنامِه"، ويُوسوِسُ له، "فيُنوِّمُه قبلَ أن يَقولَه"، يَعني: قبلَ أن يَقولَ هذا الذِّكرَ، و"يأتيه في صَلاتِه فيُذكِّرُه حاجةً"، أي: مِن حاجاتِ الدُّنيا وأشغالِها حتَّى يَنصرِفَ مِن صلاتِه "قبلَ أن يَقولَها".
وفي الحديثِ: الحثُّ على الذِّكرِ بعدَ الصَّلاةِ؛ لِما فيه مِن أجرٍ وثوابٍ عظيمٍ.
وفيه: بيانُ أنَّ التَّوفيقَ إلى الخيرِ مِن فضلِه سُبحانَه، وبيانُ سعَةِ فضلِ اللهِ تعالى وكرَمِه، وأنَّه يُثيبُ على الأعمالِ أكثرَ مِن قَدْرِ التَّعبِ في أحيانٍ كثيرةٍ.
وفيه: عَقْدُ التَّسبيحِ وعدُّه بأصابعِ اليدِ.
وفيه: بيانُ حِرصِ الشَّيطانِ على تَثبيطِ الإنسانِ عنِ اكتِسابِ الخيراتِ، وإفسادُه وصدُّه عن ذِكرِ اللهِ تعالى.
وفيه: إثباتُ الميزانِ، وأنَّ الأعمالَ تُوزَنُ يومَ القيامةِ.