‌‌باب مناقب زيد بن حارثة رضي الله عنه2

سنن الترمذى

‌‌باب مناقب زيد بن حارثة رضي الله عنه2

حدثنا الجراح بن مخلد البصري وغير واحد، قالوا: حدثنا محمد بن عمر بن الرومي قال: حدثنا علي بن مسهر، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي عمرو الشيباني، قال: أخبرني جبلة بن حارثة، أخو زيد قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله ابعث معي أخي زيدا قال: «هو ذا، فإن انطلق معك لم أمنعه». قال زيد: يا رسول الله، والله لا أختار عليك أحدا، قال: فرأيت رأي أخي أفضل من رأيي. " هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن الرومي عن علي بن مسهر

كان الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عَنهم يحِبُّون النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم حبًّا شَدِيدًا، ولا يُؤْثِرون عليه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أحَدًا أبدًا؛ فكانوا رَضِي اللهُ عَنهم يُحبُّون مُلازمَتَه وطولَ مُجالسَتِه، وقد ضرَب زيْدُ بنُ حارِثَةَ أروَعَ الأمثلَةِ في ذلك؛ فقد اختارَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم والبقاءَ معَه على عَوْدتِه إلى أبيه وأهْلِه.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ جبَلَةُ بنُ حارِثَةَ رَضِي اللهُ عَنه: "قدِمتُ"، أي: أتَيتُ "على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ابعَثْ معي أخِي زَيْدًا"، أي: أرسِلْ معِيَ أخي زيْدَ بنَ حارِثَةَ واترُكْه يَرحَلُ معي، وقد كان زيْدٌ مخطُوفًا في الجاهلِيَّةِ، وبِيعَ في مكَّةَ، ثمَّ استقَرَّ به الأمْرُ؛ بأَنِ اشتَراهُ حكِيمُ بنُ حِزامٍ لعمَّتِه خديجَةَ بنتِ خوَيلِدٍ رَضِي اللهُ عَنها زوجةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ثمَّ وهبَتْه للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ، ولَمَّا عَلِم أهْلُه بمكانِه جاؤوا يَفْدُونه ويَطلُبون عوْدتَه مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ، "فقال"، أي: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لجَبَلَةَ: "هو ذا"، أي: ها هو أمامَك، "فإنِ انطلَقَ معَك لم أمنَعْه"، أي: فإنِ اختارَ أنْ يرحَلَ معَك لم أمنَعْه ولم أوقِفْه، "قال زَيدٌ"، أي: زَيدُ بنُ حارِثَةَ: "يا رسولَ اللهِ، واللهِ لا أختارُ عليكَ أحدًا"، أي: واللهِ يا رسولَ اللهِ لا أُفارِقُك أبدًا، ولا أختارُ بدَلًا عنكَ أحدًا أبدًا، وأختارُ مُلازَمتَك وخِدْمتَك على حرِّيَّتِي وأهْلي.
وبعدَ ذلك تبنَّاه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قبْلَ أنْ يحرِّمَ اللهُ التَّبنِّيَ، وكان يقالُ له: زيْدُ بنُ محمَّدٍ، ثمَّ لَمَّا حرَّمَ اللهُ التَّبنِّيَ وقال: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 5] رجَع إلى اسمِه الأوَّلِ ونُسِبَ إلى أبيه حارِثَةَ، وكان موْلًى للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
"قال"، أي: قال جبَلَةُ بنُ حارِثَةَ: "فرأَيتُ رأْيَ أخي أفضَلَ مِن رأْيِي"، أي: فكان ما اختاره زيْدٌ خيْرًا له، وأفضَلَ وأحسَنَ مِن اختِيارِنا نحن له؛ فقد اختار هو مُلازمَةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم والإصابَةَ مِن بركَتِه.
وفي الحديثِ: بيانُ حُبِّ الصَّحابةِ الشَّديدِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفيه: مَنقبَةٌ ظاهرةٌ لزيْدِ بنِ حارثَةَ رَضِي اللهُ عَنه.