باب ما جاء في العرض2
سنن الترمذى
حدثنا عبد الله بن محمد الزهري البصري قال: حدثنا مالك بن سعير أبو محمد التميمي الكوفي قال: حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وعن أبي سعيد، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقول الله له: ألم أجعل لك سمعا وبصرا ومالا وولدا، وسخرت لك الأنعام والحرث، وتركتك ترأس وتربع فكنت تظن أنك ملاقي يومك هذا؟ فيقول: لا، فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني ": " هذا حديث صحيح غريب. ومعنى قوله: اليوم أنساك، يقول: اليوم أتركك في العذاب. هكذا فسروه ": " وقد فسر بعض أهل العلم هذه الآية {فاليوم ننساهم} [الأعراف: 51] قالوا: إنما معناه اليوم نتركهم في العذاب "
كلُّ عَبدٍ سيُعرَض على اللهِ عزَّ وجلَّ، وسيُقرِّرُه ويَسأَلُه على نِعَمِه الَّتي أنعَم عليه بها في الدُّنيا؛ ما فعَل فيها؟ وهل أدَّى شُكرَها ولم يَنْسَ حقَّ اللهِ فيها؟!
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "يُؤتَى بالعبدِ يومَ القيامةِ"، أي: للحسابِ والعَرْضِ على اللهِ، "فيقولُ اللهُ له"، أي: يسأَلُه اللهُ عزَّ وجلَّ ويقرِّرُه: "ألم أجعَلْ لك سمعًا وبصَرًا"، أي: ألم أُنعِمْ عليك بنعمةِ البصَرِ والسَّمعِ، "ومالًا وولَدًا"، أي: ورزَقْتُك المالَ والولَدَ، "وسخَّرْتُ"، أي: ذلَّلْتُ "لك الأنعامَ" مِن البهائمِ والخيلِ والحَرْثِ، "وترَكْتُك ترأَسُ" ترَكتُك رئيسًا وذا شأنٍ بين النَّاسِ، وفي قومِك، "وتَرْبَعُ"، أي: كانت لك رِباعٌ، والرِّباعُ هي البيوتُ والحقولُ، وقيل: هي أخذُ رُبُعِ الغنيمةِ.
ثم يقولُ اللهُ تعالى له: "فكنتَ تظُنُّ أنَّك مُلاقي يومِك هذا"، أي: هل كنتَ معتقدًا أنَّ هناك بعثًا وحياةً بعد الموت وحسابًا وجنَّةً ونارًا يوم القيامة؟ "فيقول"، أي: العبدُ: "لا"، أي: ما كنتُ أظنُّ أنَّ هناك بعثًا بعد الموتِ، وأنَّ هناك حسابًا في هذا اليومِ، "فيقولُ له" اللهُ: "اليومَ" في هذا اليومِ "أنسَاكَ"، أي: تكونُ متروكًا مُهمَلًا، أُعرِضُ عنك وأَتركُك، وأمنَعُك رَحْمَتي، وتُعامَلُ معاملةَ المَنْسِيِّ، "كما نسِيتَني"، أي: كان ذلك جزاءً لك كما نسِيتَ طاعتي وشُكري على ما أنعَمْتُ عليك مِن هذه النِّعَمِ.