باب ما جاء في الصدق والكذب
سنن الترمذى
حدثنا هناد قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق بن سلمة، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا» وفي الباب عن أبي بكر الصديق، وعمر، وعبد الله بن الشخير، وابن عمر: هذا حديث حسن صحيح
الصِّدقُ مِن أنبَلِ الأخلاقِ وأعْلاها قَدْرًا، ومِن أعْظمِ الأسبابِ للفَوزِ والنَّجاةِ في الدَّارَينِ، ولأهميَّةِ الصِّدقِ، وعُلُوِّ دَرَجتِه، وعَظيمِ أثَرِه؛ حَثَّنَا اللهُ تعالَى عليه، كما في قولِه تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].
وفي هذا الحديثِ يُعلِّمُنا الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ نكونَ صادقينَ مُحبِّينَ لِلصِّدقِ، ويُخبِرُ بأجْرِ الصَّادِقينِ ومَنزِلتِهم؛ لِيَحمِلَنا على التِزامِه، فيُخبِرُ أنَّ الصِّدقَ يُوصِلُ إلى الخَيراتِ كُلِّها، فالبِرُّ هو اسمٌ جامِعٌ لِلخَيرِ كُلِّه، والصِّدقُ يُطلَقُ على صِدقِ اللِّسانِ، وهو نقيضُ الكَذِبِ، والصِّدقِ في النِّيَّةِ، وهو الإخلاصُ، والصِّدقِ في العَزمِ على خيرٍ نواه، والصِّدقِ في الأعمالِ، وأقَلُّه استواءُ سَريرتِه وعلانيَتِه، والصِّدقِ في المقاماتِ، كالصِّدقِ في الخوفِ والرَّجاءِ وغيرهما، فمن اتَّصَف بذلك كان صِدِّيقًا، أو ببَعْضِها كان صادقًا. وأخبَرَ أنَّ البِرَّ يُوصِلُ إلى الجَنَّةِ، ومِصداقُ ذلك في كتابِ اللهِ تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: 13]، وأنَّ الرَّجُلَ ليَصدُقُ في السِّرِّ والعَلانيةِ، ويَقصِدُه، ويجتَنِبُ نقيضَه الذي هو الكَذِبُ، فيكونُ الصِّدقُ غالِبَ حالِه، حتى يَبلُغَ في الصِّدقِ غايَتَه ونِهايَتَه، فيَدخُلَ في زُمرةِ الصَّادِقينَ، ويَستَحِقَّ ثَوابَهم.
ثمَّ نَفَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الكَذِبِ -وهو قولُ الباطِلِ، والإخبارُ على غَيرِ ما هو في الواقِعِ، وأعظَمُه: الكَذِبُ على اللهِ تعالَى، وعلى رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، ويُبَيِّنُ عاقِبةَ مَن تَخَلَّقَ به، فيُخبِرُ بأنَّ الكَذِبَ يُوصِلُ إلى الفُجورِ الذي هو ضِدُّ البِرِّ، وهو المَيلُ عن الاستِقامةِ.
وقيلَ: الفُجورُ: الانبِعاثُ في المَعاصي، وأنَّ الفُجورَ يُوصِلُ إلى النَّارِ، وأنَّ الرَّجُلَ يَكذِبُ ويَتكَرَّرُ ذلك منه حتَّى يُكتَبَ عِندَ اللهِ كَذَّابًا، ويُحكَمَ له بذلك.
وفي الحَديثِ: الترغيبُ في الصِّدقِ، والتحذيرُ مِنَ الكَذِبِ.