‌‌باب ما جاء في التمتع

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في التمتع

حدثنا عبد بن حميد، قال: أخبرني يعقوب بن إبراهيم بن سعد، قال: حدثنا أبي، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، أن سالم بن عبد الله، حدثه، أنه سمع رجلا من أهل الشام، وهو يسأل عبد الله بن عمر عن التمتع بالعمرة إلى الحج؟ فقال عبد الله بن عمر: هي حلال، فقال الشامي: إن أباك قد نهى عنها، فقال عبد الله بن عمر: " أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أأمر أبي نتبع؟ أم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، فقال الرجل: بل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «لقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم» وفي الباب عن علي، وعثمان، وجابر، وسعد، وأسماء بنت أبي بكر، وابن عمر. حديث ابن عباس حديث حسن. وقد اختار قوم من أهل العلم، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرهم التمتع بالعمرة. والتمتع أن يدخل الرجل بعمرة في أشهر الحج، ثم يقيم حتى يحج فهو متمتع وعليه دم ما استيسر من الهدي، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، ويستحب للمتمتع إذا صام ثلاثة أيام في الحج، أن يصوم العشر ويكون آخرها يوم عرفة، فإن لم يصم في العشر صام أيام التشريق، في قول بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم ابن عمر، وعائشة. وبه يقول مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. وقال بعضهم: لا يصوم أيام التشريق. وهو قول أهل الكوفة. وأهل الحديث يختارون التمتع بالعمرة في الحج. وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق
‌‌

أحَبَّ الصَّحابةُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حبًّا شديدًا، وحملهم هذا الحُبُّ على التزامِ أمْرِه، والاقتداءِ بفِعْلِه، واقتِفاءِ أثَرِه، وحِفْظِ آثارِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والتبرُّكِ بها.
وهذا الحديثُ يُظهِرُ عِنايةَ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بآثارِه، وحِفْظَهم لها؛ فإنَّ أنسَ بنَ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه كان يَحتفِظُ بالقدَحِ الَّذي كان يَشرَبُ فيه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد رآه التابعيُّ عاصِمٌ الأحوَلُ عند أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه ووصفه كما رآه، فأخبر أنَّ هذا القدَحَ كان عَريضًا مِن نُضَارٍ، والنُّضارُ هو الحَسَنُ الخالِصُ مِن كُلِّ شَيءٍ، وقيل: إنَّه مِن خَشَبِ الأثلِ، وقيل: من شَجرِ النَّبعِ، ولونُه يميلُ إلى الصُّفرةِ.

وكان هذا الإناءُ قدْ تَشقَّقَ وانكسَر، فأصلحه ووصَله أنَسٌ رضِي اللهُ عنه بفضَّةٍ.
وكان يقولُ: إنَّه سَقى في هذا القدَحِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مرَّاتٍ كثيرةً، وفي روايةٍ أخرى في صحيحِ مُسلمٍ قال: «لقد سَقَيتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقَدَحي هذا الشَّرابَ كُلَّه: العَسَلَ، والنَّبيذَ، والماءَ، واللَّبنَ». والنبيذُ هنا هو ما يُنقع في الماء من الثِّمار كالتَّمْر والزَّبيب قبل أن يُسْكر.
ويُخبِرُ التابِعيُّ محمَّدُ بنُ سيرينَ أنَّه كان في هذا القَدَحِ حَلقةً مِن حديدٍ، فأراد أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه أنْ يَجعلَ مكانَ هذه الحَلقةِ حَلْقةً أخرى مِن الذَّهبِ أو الفضَّةِ -الشَّكُّ مِنَ الرَّاوي، أو هو يحكي تردُّدَ أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه عند الإقدامِ على الفِعلِ- فنهاه الصَّحابيُّ أبو طَلحةَ الأنصاريُّ رَضِيَ اللهُ عنه عن ذلك -أبو طلحةَ رَضِيَ اللهُ عنه هو زوجُ أمِّ سَلِيمٍ والدةِ أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه- وقال له: لا تُغيِّرَنَّ شيئًا صَنَعه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فامتثَل أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه، وترَك الإناءَ على حالِه.
وفي الحَديثِ: الشُّربُ من قَدَحِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وآنيَتِه من بابِ التبرُّكِ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وامتِثالِ فِعْلِه.
وفيه: شِدَّةُ محَبَّةِ الصَّحابةِ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واقتفائِهم أثَرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه: مَشروعيَّةُ تَضبيبِ الأواني باليسيرِ مِن الفضَّةِ أو الذَّهَبِ.