‌‌باب ما جاء في الثناء الحسن على الميت2

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في الثناء الحسن على الميت2

حدثنا يحيى بن موسى، وهارون بن عبد الله البزاز، قالا: حدثنا أبو داود الطيالسي قال: حدثنا داود بن أبي الفرات قال: حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبي الأسود الديلي، قال: قدمت المدينة فجلست إلى عمر بن الخطاب، فمروا بجنازة، فأثنوا عليها خيرا، فقال عمر: وجبت، فقلت لعمر وما وجبت؟ قال: أقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «ما من مسلم يشهد له ثلاثة إلا وجبت له الجنة»، قال: قلنا: واثنان؟ قال: «واثنان»، قال: ولم نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الواحد: «هذا حديث حسن صحيح»، " وأبو الأسود الديلي: اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان "
‌‌

رَحمةُ اللهِ بعِبادِه واسعةٌ، وفضْلُه عليهم لا يُحْصى، ومن ذلك أنَّه جعَلَ شَهادةَ المُسلِمين لأحدِهم بالخيرِ دليلًا على استحقاقِه الدُّخولَ في فضْلِ اللهِ وجنَّتِه.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي أبو الأسودِ الدِّيَليُّ: "قدِمْتُ المدينةَ"، أي: مدينةَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان ذلك في عَهْدِ عُمرَ رضِيَ اللهُ عنه، "فجلسْتُ إلى عمرَ بنِ الخطَّابِ"، أي: جلسْتُ عندَه أو قريبًا منه، "فمَرُّوا بجِنازةٍ"، أي: بميِّتٍ على نَعْشِه، "فأثْنَوا"، أي: بعضُ مَن كان عندَ عُمرَ رضِيَ اللهُ عنه، "عليها خيرًا"، أي: ذَكَروا الميِّتَ بالخيرِ، وشَكروا أفعالَه في حياتِه قبْلَ موتِه، فقال عمرُ رضِيَ اللهُ عنه: "وجبَتْ"، أي: وجبَتْ له الجنَّةُ واستحَقَّها، "فقلْتُ لعمرَ: وما وجبَتْ؟" قال: أقولُ كما قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ قال: "ما مِن مُسلِمٍ" والمُرادُ به: الميِّتُ المُسلِمُ، "يَشهَدُ له ثلاثةٌ"، أي: من المُسلِمين، "إلَّا وجبَتْ له الجنَّةُ، قال: قُلْنا: واثنانِ؟ قال: واثنانِ"، ومِن الحِكمةِ في اختلافِ هذا العددِ- حيث جاء: أربعةٌ، وثلاثةٌ واثنانِ، كما في روايةِ البُخاريِّ-؛ نظرًا لاختلافِ المعاني؛ لأنَّ الثَّناءَ قد يكونُ بالسَّماعِ الفاشي على الألْسنةِ، فاسْتُحِبَّ في ذلك التَّواتُرُ والكثرةُ، والشَّهادةُ لا تكونُ إلَّا بالمعرفةِ بأحوالِ المشهودِ له، فيأتي في ذلك أربعةُ شُهداءَ؛ لأنَّ ذلك أعلى ما يكونُ من الشَّهادةِ، كما في الشَّهادةِ على الزِّنا، فإنْ قَلُّوا كانوا ثلاثةً، فإنْ قلوا عن ذلِك كانوا شاهدَينِ؛ لأنَّ ذلك أقلُّ ما يُجزِئُ في الشَّهادةِ على سائرِ الحُقوقِ؛ رحمةً من اللهِ تعالى لعِبادِه المُؤمِنين؛ ولهذا لم يسْألوا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن الواحدِ؛ حيث قال عمرُ رضِيَ اللهُ عنه: "ولم نسأَلْ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن الواحدِ"، أي: ثمَّ لمْ نسأَلِ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن ثَناءِ الشَّخصِ الواحدِ: هل يُكْتفى به؟ وذلك أنَّ هذا المقامَ مَقامٌ عَظيمٌ؛ فلا يُكْتفى فيه بأقلَّ من النِّصابِ كما أجراهُ اللهُ في أُمورِ الدُّنيا.
وفي الحديثِ: أنَّ المُسلِمين إذا شَهِدوا بالخيرِ للميِّتِ، فقد أثْبَتوا له الحقَّ بالجنَّةِ.
وفيه: التَّنبيهُ على الإحسانِ إلى النَّاسِ، وإظْهارِ الخيرِ للمُسلِمين وعدَمِ إظْهارِ السُّوءِ.