‌‌باب ما جاء في الحمد على الطعام إذا فرغ منه

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في الحمد على الطعام إذا فرغ منه

حدثنا هناد، ومحمود بن غيلان، قالا: حدثنا أبو أسامة، عن زكريا بن أبي زائدة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة، أو يشرب الشربة، فيحمده عليها» وفي الباب عن عقبة بن عامر، وأبي سعيد، وعائشة، وأبي أيوب، وأبي هريرة: هذا حديث حسن، وقد رواه غير واحد عن زكريا بن أبي زائدة نحوه، ولا نعرفه إلا من حديث زكريا بن أبي زائدة
‌‌

رِضا اللهُ عزَّ وجلَّ غايَةُ كُلِّ مُسلمٍ، وعندما يَستشعِرُ المسْلمُ نِعمَ اللهِ عليه، ويَمتلِئُ قَلبُه بالحمدِ، ويَنطِقُ لِسانُه بالثَّناءِ على اللهِ؛ فإنَّ هذا يَكونُ سَببًا لنَيْلِ مَحبَّةِ اللهِ ورِضاهُ.
وفي هَذا الحديثِ يُبَيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحدَ الأُمورِ الَّتي يَستَطيعُ المُسلِمُ أنْ يَحظَى فيها بِرِضا اللهِ، فأخبر صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إنَّ اللهَ لَيَرْضَى عنِ العَبْدِ أنْ يَأكُلَ الأَكْلَةَ» وهِيَ المرَّةُ الواحدَةُ مِنَ الأَكْلِ كالغَداءِ والعَشاءِ، ويُروى «الأُكْلةَ» بضَمِّ الهمزةِ، أي: اللُّقمةَ، وهي أبلَغُ في بَيانِ اهتمامِ أداءِ الحمْدِ. «فيَحمَدَه عليها»، فيقولَ: الحمدُ للهِ، «أو يَشْرَبَ الشَّربَةَ» مِن الماءِ ونحوِه مِن المشروباتِ «فيَحمَدَه عليها»، وقدْ ورَدَ عندَ البُخاريِّ بَيانُ إحْدى صِيغِ الحمدِ الَّتيِ كان يقولُها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ وهي: «الحمدُ للهِ حمْدًا كثيرًا طيِّبًا مُباركًا فيه، غيرَ مَكفِيٍّ ولا مُودَّعٍ ولا مُستَغنًى عنه ربَّنا».
والرِّضا منه تَعالَى على هذا الفعلِ اليسيرِ إنَّما هو مِن عَظيمِ فَضلِه؛ فسُبحانَه ما أَكْرَمَه! أَعْطَى المَأْكولَ وأَقْدَرَ على أَكْلِه وجَعَلَه سائغًا وساقَه إلى عَبْدِه، وأَوْجَدَه مِنَ العَدَمِ ثُمَّ أَقْدَرَه على حَمْدِه، وأَلْهَمَه قَولَهُ وعَلَّمَه النُّطْقَ به، ثُمَّ كان سَببًا لرِضائِه.
وفي الحديثِ: تَنويهٌ عَظيمٌ بمَقامِ الشُّكرِ؛ حيث رُتِّبَ عليه هذا الجزاءُ العظيمُ الَّذي هو أكبَرُ أنواعِ الجزاءِ، وهو رِضا اللهِ.
وفيه: دَليلٌ على أنَّ رِضا اللهِ عزَّ وجلَّ قدْ يُنالُ بأَدْنى سَببٍ؛ مِثلُ الحمدِ عندَ المرَّةِ الواحدةِ مِن الأكلِ أو الشُّربِ.