‌‌باب ما جاء في الركعتين بعد الظهر4

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في الركعتين بعد الظهر4

حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق البغدادي قال: حدثنا عبد الله بن يوسف التنيسي الشامي قال: حدثنا الهيثم بن حميد قال: أخبرني العلاء بن الحارث، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن عنبسة بن أبي سفيان، قال: سمعت أختي أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار»: «هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه»، «والقاسم هو ابن عبد الرحمن يكنى أبا عبد الرحمن، وهو مولى عبد الرحمن بن خالد بن يزيد بن معاوية وهو ثقة شامي، وهو صاحب أبي أمامة»
‌‌

في هذا الحديثِ بيانُ فَضلٍ عظيمٍ للتنفل قبل صلاة الظهر وبعدها، يقولُ حسَّانُ بنُ عطيَّةَ: "لَمَّا نُزِلَ بعَنْبَسَةَ"، أي: مرَضُ الموتِ، وعَنْبَسَةُ هو ابنُ أبي سُفيانَ، "جعَل يتضوَّرُ"، أي: يتوجَّعُ ويتلوَّى مِن شدَّةِ المرَضِ، "فقيل له"، أي: جعَل الحاضرونَ يُخفِّفونَ عنه ويُواسِونَه، فقال عَنْبَسَةُ: "أمَا إنِّي سمِعْتُ أمَّ حَبيبةَ زوجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم تُحدِّثُ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنَّه قال: مَن ركَع أربعَ ركَعاتٍ قبْلَ الظُّهرِ"، أي: قبْلَ صلاةِ الظُّهرِ بعدَ الأَذانِ، "وأربعًا"، أي: وأربعَ ركَعاتٍ، "بعدَها"، وفي روايةٍ: "مَن حافَظ على أربعِ ركَعاتٍ"، أي: إنَّ الأمرَ على سبيلِ السُّنَّةِ والعادةِ، وليس لمرَّةٍ واحدةٍ، "حرَّم اللهُ عزَّ وجلَّ لَحْمَه على النَّارِ"، أي: كان حقًّا على اللهِ ألَّا يُدخِلَه النَّارَ، قال عَنْبَسَةُ: "فما ترَكْتُهنَّ منذُ سمِعْتُهنَّ"، أي: لم يترُكِ الثَّمانيَ ركَعاتٍ، بل حافَظَ عليهنَّ بمِثْلِ ما أُمِرَ في الحديثِ؛ طمعًا في عدمِ دخولِ النَّارِ.
وقد اختُلِفَ في الوجهِ المرادِ مِن تحريمِ لَحْمِه على النَّارِ، هل هو بمِثْلِ حديثِ: "وحُرِّمَ على النَّارِ أن تأكُلَ مواضِعَ السُّجودِ"، بأنَّه لو دخَلَها بأيِّ عمَلٍ مِن أعمالِ المعاصي الأخرى مُنِعَتِ النَّارُ مِن أن تُؤذِيَ لَحْمَ جسدِه، أم أنَّ إطلاقَ الجزءِ يُرادُ به الكلُّ، وهو عدمُ دخولِ النَّارِ على وجهِ العمومِ، فرُجِّحَ القولُ الأخيرُ؛ لأنَّ مَن وفَّقَه اللهُ لذلكَ يُوفِّقُه لسائرِ الخَيْراتِ.
وفي الحديثِ: الترغيبُ في أعمالِ التَّطوُّعِ، وأنَّها تُنجِّي العبدَ مِن النَّارِ، وتَزيدُ في الأجرِ يومَ القيامةِ.
وفيه: الترغيبُ في الالتزامِ بأوامرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وبيان ما كان عليه أئمَّةُ التَّابعينَ الذين تَعلَّموا من الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم مِن الحِرْصِ على الامتثالِ لكلِّ ما أُخبِروا به عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّمَ .