‌‌باب ما جاء في الركعتين بعد الظهر3

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في الركعتين بعد الظهر3

حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن محمد بن عبد الله الشعيثي، عن أبيه، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى قبل الظهر أربعا وبعدها أربعا حرمه الله على النار»: «هذا حديث حسن غريب، وقد روي من غير هذا الوجه»
‌‌

في هذا الحديثِ بيانُ فَضلٍ عظيمٍ للتنفل قبل صلاة الظهر وبعدها، يقولُ حسَّانُ بنُ عطيَّةَ: "لَمَّا نُزِلَ بعَنْبَسَةَ"، أي: مرَضُ الموتِ، وعَنْبَسَةُ هو ابنُ أبي سُفيانَ، "جعَل يتضوَّرُ"، أي: يتوجَّعُ ويتلوَّى مِن شدَّةِ المرَضِ، "فقيل له"، أي: جعَل الحاضرونَ يُخفِّفونَ عنه ويُواسِونَه، فقال عَنْبَسَةُ: "أمَا إنِّي سمِعْتُ أمَّ حَبيبةَ زوجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم تُحدِّثُ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنَّه قال: مَن ركَع أربعَ ركَعاتٍ قبْلَ الظُّهرِ"، أي: قبْلَ صلاةِ الظُّهرِ بعدَ الأَذانِ، "وأربعًا"، أي: وأربعَ ركَعاتٍ، "بعدَها"، وفي روايةٍ: "مَن حافَظ على أربعِ ركَعاتٍ"، أي: إنَّ الأمرَ على سبيلِ السُّنَّةِ والعادةِ، وليس لمرَّةٍ واحدةٍ، "حرَّم اللهُ عزَّ وجلَّ لَحْمَه على النَّارِ"، أي: كان حقًّا على اللهِ ألَّا يُدخِلَه النَّارَ، قال عَنْبَسَةُ: "فما ترَكْتُهنَّ منذُ سمِعْتُهنَّ"، أي: لم يترُكِ الثَّمانيَ ركَعاتٍ، بل حافَظَ عليهنَّ بمِثْلِ ما أُمِرَ في الحديثِ؛ طمعًا في عدمِ دخولِ النَّارِ.
وقد اختُلِفَ في الوجهِ المرادِ مِن تحريمِ لَحْمِه على النَّارِ، هل هو بمِثْلِ حديثِ: "وحُرِّمَ على النَّارِ أن تأكُلَ مواضِعَ السُّجودِ"، بأنَّه لو دخَلَها بأيِّ عمَلٍ مِن أعمالِ المعاصي الأخرى مُنِعَتِ النَّارُ مِن أن تُؤذِيَ لَحْمَ جسدِه، أم أنَّ إطلاقَ الجزءِ يُرادُ به الكلُّ، وهو عدمُ دخولِ النَّارِ على وجهِ العمومِ، فرُجِّحَ القولُ الأخيرُ؛ لأنَّ مَن وفَّقَه اللهُ لذلكَ يُوفِّقُه لسائرِ الخَيْراتِ.
وفي الحديثِ: الترغيبُ في أعمالِ التَّطوُّعِ، وأنَّها تُنجِّي العبدَ مِن النَّارِ، وتَزيدُ في الأجرِ يومَ القيامةِ.
وفيه: الترغيبُ في الالتزامِ بأوامرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وبيان ما كان عليه أئمَّةُ التَّابعينَ الذين تَعلَّموا من الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم مِن الحِرْصِ على الامتثالِ لكلِّ ما أُخبِروا به عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّمَ .