‌‌باب ما جاء في السخاء

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في السخاء

حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى البصري قال: حدثنا حاتم بن وردان قال: حدثنا أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: قلت: يا رسول الله، إنه ليس لي من شيء إلا ما أدخل علي الزبير أفأعطي؟ قال: «نعم، ولا توكي فيوكى عليك» يقول: «لا تحصي فيحصى عليك» وفي الباب عن عائشة، وأبي هريرة: هذا حديث حسن صحيح وروى بعضهم هذا الحديث بهذا الإسناد عن ابن أبي مليكة، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أسماء بنت أبي بكر، وروى غير واحد هذا، عن أيوب، ولم يذكروا فيه عن عباد بن عبد الله بن الزبير
‌‌

المرأةُ أَمينةٌ على مالِ زَوجِها، ومَسؤولةٌ عنه أمامَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وواجِبُها أنْ تَحفَظَه وتَرْعاهُ وتَأخُذَ منه قدْرَ حاجتِها، وتُنفِقَ منه بالمعروفِ.
وفي هذا الحديثِ تَحكي أسماءُ بنتُ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّها قالَت لرَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ليس لي مالٌ إلَّا ما أدخَلَ علَيَّ زَوجي الزُّبيرُ بنُ العوَّام رَضيَ اللهُ عنه وصيَّرَه مِلكًا لي، بمعْنى: ما يَجعَلُه نَفقةً لي، فهلْ أتصَدَّقُ منه؟ فأجابَها صلَّى الله عليه وسلَّم: «تصَدَّقي، ولا تُوعي فيُوعَى علَيكِ»، والمعنى: لا تَدَّخِري المالَ وتُمسِكي عن إنفاقِه في سَبيلِ اللهِ والتَّصَدُّقِ منه؛ فيَكونَ ذلك سَببًا أنْ يَمنَعَ اللهُ عنكِ بَرَكتَه وزِيادتَه ونَماءَه. وفي رِوايةٍ عندَ البُخاريِّ ومُسلمٍ زِيادةُ قولِه: «وارْضَخِي ما استَطعْتِ» مِن الرَّضْخِ، وهو العَطاءُ اليَسيرُ، والمعنى: أنفِقِي بغَيرِ إجحافٍ ما دُمْتِ قادِرةً مُستطيعةً، ولو قَليلًا، ولا تَدَّخِري وتَمتَنِعي عن الصَّدقةِ خَشيةَ نَفادِه، فتَنقطِعَ عنكِ مادَّةُ الرِّزقِ.
ولعلَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمَرَها بذلِك ولم يَذكُرْ إذنَ زَوْجِها؛ لِمَا عَلِمَه مِن سَماحةِ الزُّبيرِ رَضيَ اللهُ عنه التي اشتَهَرَ بها، وإنفاقُ المرأةِ مِن مالِ زَوجِها مَشروعٌ إذا عَلِمتْ سَماحتَه، وأنَّه لا يَكرَهُ ذلك منها، أو كانتْ عادةً عوَّدَها عليها، أو لم يكُنِ العطاءُ كَثيرًا مُجحِفًا، حيث لا يُؤثِّرُ نُقصانُه على العِيالِ، ولم تَتجاوَزِ القدْرَ المعتادَ، ولم تَقصِدْ تَبديدَ مالِه، وفي الصَّحيحينِ مِن حَديثِ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها قالت: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إذا أنْفَقَت المرأةُ مِن طَعامِ بَيتِها غيرَ مُفسِدةٍ، كان لها أجْرُها بما أنْفَقَت، ولزَوجِها أجْرُه بما كَسَبَ، وللخازنِ مِثلُ ذلك، لا يَنقُصُ بَعضُهم أجْرَ بَعضٍ شَيئًا».
وفي الحديثِ: أنَّ الصَّدقةَ تُنمِّي المالَ، وأنَّ السَّخاءَ يَفتَحُ أبوابَ الرِّزقِ.
وفيه: أنَّ البُخلَ بالصَّدقةِ -لا سيَّما الواجبةِ- يُؤدِّي إلى إتلافِ المالِ.