باب ما جاء في الصلاة على الشهداء ودفنهم 3
سنن ابن ماجه
حدثنا هشام بن عمار، وسهل بن أبي سهل قالا: حدثنا سفيان ابن عيينة، عن الأسود بن قيس سمع نبيحا العنزي يقول:
سمعت جابر بن عبد الله يقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم، وكانوا نقلوا إلى المدينة (2).
كانت غَزوةُ أحُدٍ في السَّنةِ الثالِثةِ مِن الهِجرةِ، وقد كانتْ فيها دُروسٌ لا تُنْسى لِجَميعِ المسلِمين، وتَعلَّموا فيه أنَّ أوامِرَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَجِبُ ألَّا تُخالَفَ، وقد استُشهِدَ في هذه الغزوةِ سَبْعون شهيدًا من خِيرَةِ المُسلِمينَ.
وهذا الحديثُ يُبيِّنُ بعضًا مِن هذه الأحكامِ التي تَخُصُّ هؤلاءِ الشُّهداءَ، وفيه يَحكي جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أمَر بقَتْلى أحُدٍ"، والقَتْلى جَمعُ قَتيلٍ، أي: أمَر بالشُّهداءِ الَّذين قُتِلوا في مَعرَكةِ أحُدٍ "أن يُرَدُّوا إلى مَصارعِهم"، جمعُ مَصْرَعٍ وهو موضِعُ القتلِ، "وكانوا قد نُقِلوا إلى المدينةِ"، وأخَذ كُلُّ حيٍّ مَن يَخُصُّه لِيَدفِنَه في مَقبرتِه، فأمَرَ أنْ يُعادُوا ويُدْفِنوا في مَواضعِ قَتلِهم. وفي رِوايةٍ أخرى عِندَ التِّرمذيِّ عن جابِرٍ: "لَمَّا كان يومُ أحُدٍ جاءَت عمَّتي بأبي؛ لِتَدفِنَه في مَقابِرِنا، فنادى مُنادي رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "رُدُّوا القَتْلى إلى مَضاجِعِهم"، فرَدُّوهم ودُفِنوا في أماكنِ قَتلِهم.
ومِن حِكمةِ ذلك: أنَّ هذه المواضِعَ تَشهَدُ لهم عِندَ اللهِ تعالَى، كما أنَّهم لم يُكفَّنوا ولم يُغسَّلوا ودُفنوا في دِمائِهم، وقد أخبر النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ الشَّهيدَ يُبعَثُ على حالتِه الَّتي مات عليها، ويَفورُ منه الدَّمُ، ولكنَّ رائحتَه كَرائحةِ المِسكِ.
وما ورَد في الصَّحيحِ أنَّ جابِرَ بنَ عبدِ اللهِ نقَل والِدَه عبدَ اللهِ بنَ حَرَامٍ إلى البَقيعِ بعدَ سِتَّةِ أشهُرٍ ودَفَنه فيه، ووجَد جسَدَه كما هو لم يَتَغيَّرْ؛ فقدْ حمَلَ بعضُ العلماءِ هذا النَّقْلَ على وجودِ مَصلَحةٍ في نقلِه، ووجودِ ضرورةِ لذلك، أمَّا بقيَّةُ الشُّهداءِ فهم في مَواضعِ قَتْلِهم إلى اليومِ عندَ جبَلِ أحُدٍ. وقيل: إنَّ النَّهيَ عن نَقلِ الموتى مُختَصٌّ بالشُّهداءِ؛ وأمَّا غيرُ الشُّهداءِ فنَقلُهم جائزٌ، والنقلُ في حقِّ الشُّهداءِ إنَّما يكونُ لضَرورةٍ كفعلِ جابرٍ مع أبيه رضِيَ اللهُ عنهما .