باب ما جاء في الصلاة على القبر 2
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا هشيم، حدثنا عثمان بن حكيم، حدثنا خارجة بن زيد بن ثابت
عن يزيد بن ثابت -وكان أكبر من زيد- قال: خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما ورد البقيع فإذا هو بقبر جديد، فسأل عنه فقالوا: فلانة. قال: فعرفها وقال: "ألا آذنتموني بها" قالوا: كنت قائلا صائما، فكرهنا أن نؤذيك، قال: "فلا تفعلوا، لا أعرفن ما ماتمنكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به، فإن صلاتي عليه له رحمة" ثم أتى القبر، فصفنا خلفه، فكبر عليه أربعا (1).
صَلاةُ الجِنازةِ مِن حُقوقِ الميِّتِ المُسلِمِ على المُسلمينَ، وفيها الدُّعاءُ للميِّتِ والاستغفارُ له وطلَبُ الرَّحمةِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ يَزيدُ بنُ ثابتٍ أخو زَيدِ بنِ ثابتٍ الأنصاريِّ رضِيَ اللهُ عنهما: "خرَجْنا مع النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا ورَدَ البقيعَ" وهو مكانُ مَقبرةِ أهلِ المدينةِ على الجِهَةِ الشَّرقيَّةِ من المسجِدِ النَّبويِّ، "فإذا هو بقَبرٍ جديدٍ"، أي: لم يَشهَدْ دفنَه، "فسأَلَ عنه"، أي: عن صاحبِه ووَقتِ دَفنِه، فقال مَن معه مِن الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم: "فُلانةُ"، أي: سَمَّوها له، قال يَزيدُ: "فعرَفَها"، أي: علِمَها النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "وقال: ألَا آذنْتُموني بها"، أي: أعلَمْتُموني بخَبرِ موتِها، "قالوا: كنْتَ قائلًا"، مِن: القَيلولةِ، أي: كنتَ نائمًا نصفَ النَّهارِ، "صائمًا، فكرِهْنا أنْ نُؤذِيَك"، أي: نُؤذِيَك بإيقاظِك من النَّومِ وأنت صائمٌ أيضًا، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "فلا تَفْعَلوا"، أي: لا تَعودوا لمثلِ هذا؛ "لا أعرِفَنَّ ما مات منكم ميِّتٌ"، أي: يُريدُ تأكيدَ النَّهيِ عن العَودِ إلى مثلِه، والتَّأكيدَ على إعلامِه في كلِّ حالٍ "ما كنتُ بين أظْهُرِكم"، أي: وأنا حَيٌّ بينكم، "إلَّا آذنْتُموني به"، أي: أعلَمْتُموني به؛ "فإنَّ صَلاتي عليه له رَحمةٌ"، أي: وذلك لِمَا في صَلاتِه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الميِّتِ من رَحمةٍ تبلُغُه إيَّاه، "ثمَّ أتى القبرَ، فصَفَفْنا خلفَه، فكبَّرَ عليه أربعًا"، أي: صَلَّى على الميِّتةِ عند القبرِ وصَفَّ أصحابُه خلفَه.
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ صَلاةِ الجنازةِ على القبرِ لمَن لم يُدرِكُها في المسجِدِ.
وفيه: بيانُ عَظيمِ رحمتِه صلَّى الله عليه وسلَّم وشَفقتِه على أُمَّتِه.