باب ما جاء في القراءة في صلاة الليل 2
سنن ابن ماجه
حدثنا بكر بن خلف أبو بشر، حدثنا يحيى بن سعيد، عن قدامة ابن عبد الله، عن جسرة بنت دجاجة، قالت:
سمعت أبا ذر يقول: قام النبي - صلى الله عليه وسلم - بآية حتى أصبح يرددها، والآية: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} [المائدة: 118] (2).
كان النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُحِبًّا لأُمَّتِه، وكان يَدْعو اللهَ لها بالهدايةِ والرَّشادِ وعدَمِ العذابِ في الدُّنيا والآخرةِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو ذَرٍّ الغِفاريُّ رضِيَ اللهُ عنه: "قام النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بآيةٍ حتَّى أصبَحَ يُردِّدُها"، أي: صَلَّى طوالَ اللَّيلِ، حتَّى بدا وقْتُ صَلاةِ الفجْرِ وهو يقرَأُ ويُردِّدُ بين يديِ اللهِ بآيةٍ واحدةٍ، وكأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخَذَ يقْرَؤها من لَدُنْ قِيامِه، يتفكَّرُ في معانيها مرَّةً بعدَ أُخرى، "والآيةُ {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ} [المائدة: 118]"، أي: إنْ تُعذِّبْ أُمَّةَ الإجابةِ على مَعاصيهم، "{فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ}" وتحت تَصرُّفِك ويَستحِقُّون ما تُجازيهم به، ولا يُتصوَّرُ منك الظُّلمُ، وفيه استعطافٌ لطيفٌ كما فيه قَرينةُ استعفاءٍ شَريفٍ، "{وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ}"، أي: الغالِبُ على ما تُريدُ، أو المُرادُ بالعزيزِ المُنتقِمُ لمُخالِفيه، "{الْحَكِيمُ}"، أي: الحاكمُ الَّذي لا مُعقِّبَ لحُكْمِه، أو الحكيمُ الَّذي يضَعُ الأشياءَ في مواضعِها، المُلاطِفُ لمُوافقيه.
وهذا من بابِ التَّضرُّعِ في حَضرةِ اللهِ سُبحانَه في الصَّلاةِ، وإظهارِ فقْرِ الخَلْقِ إليه، ويتضمَّنُ رَدَّ المشيئةِ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ؛ فإنَّه الفعَّالُ لِما يشاءُ الَّذي لا يُسأَلُ عمَّا يفعَلُ وهم يُسْألون.
وفي الحديثِ: بَيانُ كَمالِ شَفقةِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على أُمَّتِه.
وفيه: بَيانُ مَشروعيَّةِ الصَّلاةِ والقيامِ بآيةٍ واحدةٍ مع تدبُّرِها.