باب إذا شرب أعطى الأيمن فالأيمن2

سنن ابن ماجه

باب إذا شرب أعطى الأيمن فالأيمن2

حدثنا هشام بن عمار، حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا ابن جريج، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله
عن ابن عباس، قال: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلبن، وعن يمينه ابن عباس، وعن يساره خالد بن الوليد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس: "أتأذن لي أن أسقي خالدا؟ " فقال ابن عباس: ما أحب أن أوثر بسؤر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على نفسي أحدا. فأخذ ابن عباس فشرب، وشرب خالد (2)

علَّم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَّتَه الآدابَ العليِّةَ في سائِرِ شُؤونِ حياتهم، ومن ذلك آدابُ الطَّعامِ والشَّرابِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ الصَّحابيُّ سَهلُ بنُ سَعدٍ السَّاعديُّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قُدِّم له شَرابٌ، والشَّرابُ هو اللَّبَنُ الممزوجُ بالماءِ، فشَرِبَ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكان عن يمينِه غُلامٌ صَغيرٌ، قيل: إنَّه ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما، وكان عن يَسارِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الأشياخُ الكِبارُ مِن الصَّحابةِ رِضوانُ اللهِ عليهم، فاسْتأذَن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الغلامَ في أنْ يُعطيَ الشَّرابَ الأشياخَ؛ لأنَّهم كانوا عن يَسارِه، والأيمنُ هو الأحَقُّ بالبَداءةِ، كما في الصَّحيحينِ من حديثِ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: «الأيْمَنُونَ الأيْمَنُونَ، ألَا فَيَمِّنُوا». فرفَض الغلامُ، وقال: لا أُوثِرُ بنَصيبي منك أحدًا، فبيَّنَ الغلامُ العِلَّةَ في عدَمِ الإيثارِ، وأنَّه ليس كَونه شرابًا، وإنَّما هو لحُلولِ أثَرِ بَركتِه صلَّى الله عليه سلَّمَ عليه؛ لكونِه ما فضَل مِن شَرابِه، وذلك مَحلُّ تَنافُسِ أصحابِ الهِمَمِ؛ فلذا عبَّر بقولِه: «بنَصِيبي منك»، أي: مِن أثَرِ بَركتِك، وإنما قال الغلامُ ذلك؛ لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يأمُرْه به، ولو أمره لأطاع أمْرَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وظاهِرُ الكلامِ أنَّ الغُلامَ لو أذِنَ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأعطاهم.
«فتَلَّه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في يدِه»، أي: أعطاهُ الشَّرابَ في يَدِه، ولم يُقدِّم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الأشياخَ عليه، وأمَّا ما ورَدَ مِن نُصوصٍ في تَقديمِ الكبيرِ، فلا تَعارُضَ بيْنها وبيْن البَدْءِ باليمينِ؛ إذ تَقديمُ الكبيرِ يكونُ عندَ التَّساوي في جَميعِ الأوصافِ، فيُقدَّمُ الكبيرُ، كما لو تَساوَوا في المجلسِ بأنْ جَلَسوا على غيرِ تَرتيبٍ، فيُبدَأُ عندَها بالكبيرِ، أمَّا لو جَلَسوا مُرتَّبِين، فمَن على اليمينِ أَولى وأحقُّ مِن الكبيرِ.
وفي الحَديثِ: حُسنُ أدَبِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وطِيبِ عِشرتِه لأصحابِه.
وفيه: أنَّ السُّنَّةَ لِمَن استَسْقَى أنْ يَسقيَ الَّذي عن يَمينِه، وإنْ كان الَّذي عن يَسارِه أفضَلَ ممَّن جلَسَ عن يَمينِه.