‌‌باب ما جاء في النهي عن ضرب الخدود، وشق الجيوب عند المصيبة

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في النهي عن ضرب الخدود، وشق الجيوب عند المصيبة

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، قال: حدثني زبيد الأيامي، عن إبراهيم، عن مسروق، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس منا من شق الجيوب، وضرب الخدود، ودعا بدعوة الجاهلية»: «هذا حديث حسن صحيح»
‌‌

المَوتُ مصيبةٌ عظيمةٌ، وفاجِعةٌ كبيرةٌ؛ لِما فيه مِن فَقْدِ النَّاسِ والأحِبَّةِ، ولكنَّ كُلَّ مُصيبةٍ مهما عَظُمتْ فيُقابِلُها أجرٌ لِمَن صبَر على شِدَّتِها، وهكذا مُصيبةُ المَوتِ؛ فيَنبغي عِندَ وُقوعِها الصَّبرُ عليه، وترْكُ الاعتِراضِ على قدَرِ الله سُبحانَه.
وفي هذا الحَديثِ يُبَيِّنُ النبيُّ صلَّى الله علَيه وسلَّم الآدابَ الَّتي يَجبُ أن يَتحلَّى بها المُسلمونَ عِندَ تَعرُّضِهم لمُصيبةٍ أو ابتِلاءٍ، فيُخبِرُ أنَّه ليس مِن أهلِ سُنَّتِنا وطَريقتِنا، وليس مُتأسِّيًا بسُنَّتِنا، ولا مُقتديًا بنا، ولا مُمتثِلًا لطَريقتِنا الَّتى نحنُ عليها مَن أظْهَرَ الجَزَعَ والحُزنَ والسَّخطَ على قَدَرِ اللهِ في أفعالِه، فلَطَمَ الخُدودَ وضرَبَ وجْهَه بيَدَيْه، وشَقَّ الجُيوبَ، جمْع جَيبٍ، وهو ما يُفتَحُ مِن الثَّوبِ ليُدخَلَ فيه الرَّأسُ، أي: وشَقَّ ثيابَه مِن شِدَّةِ الجَزَعِ. وناحَ على المَيتِ كما كانوا يَفعَلون في الجاهِليَّةِ؛ مِن التَّعديدِ وذِكرِ مَناقِبَ له بما ليس فيه.
وقد نسَخ اللهُ أمورَ الجاهليَّةِ بشريعةِ الإسلامِ، وأمَر بالاقتصادِ في الحزنِ والفرَحِ، وترْكِ الغُلوِّ في ذلك، وحَضَّ على الصبرِ عندَ المصائبِ، واحتِسابِ أجْرِها على اللهِ، وتفويضِ الأمورِ كلِّها إليه؛ فقال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157]؛ فحقٌّ على كلِّ مُسلِمٍ مؤمنٍ عَلِمَ سرعةَ الفناءِ ووشْكَ الرَّحيلِ إلى دارِ البقاءِ ألَّا يَحزَنَ على فائتٍ مِن الدُّنيا، وأن يَستشعِرَ الصَّبرَ والرِّضا؛ لِينالَ الدَّرَجاتِ الرَّفيعةَ مِن ربِّه عزَّ وجلَّ.
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن التَّعبيرِ عن الحُزنِ باستِعمالِ اليَدِ في شَقِّ الثِّيابِ، وضَربِ الوُجوهِ، واستِعمالِ اللِّسانِ في النِّياحةِ.