باب ما جاء في بدء شأن المنبر 3
سنن ابن ماجه
حدثنا أحمد بن ثابت الجحدري، حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي حازم، قال:
اختلف الناس في منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أي شيء هو؟ فأتوا سهل بن سعد فسألوه، فقال: ما بقي أحد من الناس أعلم به مني،هو من أثل الغابة، عمله فلان مولى فلانة، نجار، فجاء به، فقام عليه حين وضع، فاستقبل القبلة وقام الناس خلفه فقرأ ثم ركع ثم رفع رأسه فرجع القهقرى حتى سجد بالأرض، ثم عاد إلى المنبر، فقرأ ثم ركع فقام، ثم رجع القهقرى حتى سجد بالأرض (1).
كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخطُبُ في أصحابِه وهو قائمٌ على قَدَمَيه، ويَستنِدُ على جِذعِ نخْلٍ، فلمَّا كثُرَ النَّاسُ بَدا له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَتَّخِذَ مِنبرًا مِن خَشَبٍ يَقِفُ ويَجلِسُ عليه أثناءَ خُطبِه.
وفي هذا الحديثِ ذِكرٌ لقِصَّةِ اتِّخاذِ المِنبرِ، فيَحْكي التابعيُّ أبو حازمٍ سَلَمةُ بنُ دِينارٍ، أنَّ رِجالًا أَتَوا إلى الصَّحابيِّ الجَليلِ سَهْلِ بنِ سَعدٍ السَّاعديِّ رَضيَ اللهُ عنه يَسأَلونَه عن المِنبرِ النَّبويِّ الَّذي اتَّخَذه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فذَكَرَ لهم سَهْلٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَ إلى امْرأةٍ قدْ سمَّاها سَهْلٌ -وقدِ اختُلِفَ في اسمِها؛ فقيل: عائِشةُ، وقيل: مِيناسُ، وهي مِن الأنصارِ، كما في رِوايةٍ للبُخاريِّ، وفي رِوايةٍ أُخرى للبُخاريِّ أنَّها مِن المهاجِرينَ- كان لها خادمٌ نَجَّارٌ، فقال لها: مُرِي غُلامَك -أي: اطلُبي منه- أنْ يَصْنَعَ لي مِنبرًا؛ لكي أجْلِسَ عليه حِين أكَلِّمُ النَّاسَ.
وجاء في صَحيحِ البُخاريِّ مِن حَديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما: «أنَّ امْرَأَةً مِنَ الأنْصَارِ قالَتْ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا رَسولَ اللَّهِ، ألَا أجْعَلُ لكَ شيئًا تَقْعُدُ عليه؟ فإنَّ لي غُلَامًا نَجَّارًا قالَ: إنْ شِئْتِ..»، فيُجمَعُ بيْنهما بأنَّها طَلَبَت مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أوَّلًا، ثمَّ أرْسَلَ لها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُوافِقًا لها، وآمِرًا إيَّاها أنْ تَصنَعَه له.
فأجابتِ المرأةُ، وأمَرَت غُلامَها أنْ يَصنَعَ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المِنبرَ مِن طَرْفاءَ، جمْعُ طَرَفةَ، وهي شَجرةٌ مِن شَجَرِ الصَّحراءِ، والغابةُ: مَوضعٌ مِن عَوالي المدينةِ مِن جِهةِ الشامِ، وكانت على بُعدِ تِسعةِ أمْيالٍ (14 كم) مِن المَدينةِ، ثمَّ لمَّا فَرَغَ الخادمُ منه، أرْسَلَت المرأةُ به إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ به، فأَمَرَ به فوُضِعَ مَكانَه مِن المسجدِ، فجَلَسَ عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحديثِ: الاستعانةُ بأهْلِ الصِّناعاتِ والمَقْدِرةِ في كُلِّ شَيءٍ يَشْمَلُ المسلِمينَ نَفْعُه.