‌‌باب ما جاء في سورة الإخلاص5

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في سورة الإخلاص5

حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن عبيد الله بن عمر، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، قال: كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، فكان كلما افتتح سورة يقرأ لهم في الصلاة يقرأ بها، افتتح بقل هو الله أحد حتى يفرغ منها، ثم يقرأ بسورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة. فكلمه أصحابه، فقالوا: إنك تقرأ بهذه السورة، ثم لا ترى أنها تجزيك حتى تقرأ بسورة أخرى، فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتقرأ بسورة أخرى، قال: ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بها فعلت، وإن كرهتم تركتكم. وكانوا يرونه أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره. فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر. فقال: «يا فلان، ما يمنعك مما يأمر به أصحابك، وما يحملك أن تقرأ هذه السورة في كل ركعة»؟ فقال: يا رسول الله إني أحبها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن حبها أدخلك الجنة». هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث عبيد الله بن عمر عن ثابت البناني
‌‌

سُورةُ الإخلاصِ مِن أعظَمِ سُوَرِ القرآنِ وأجَلِّها، على قِلَّة عدَدِ كَلماتِها؛ فهي تَحتوي على مَعانٍ عَظيمةٍ وجَليلةٍ، ففيها تَمحيصُ معنى التَّوحيدِ للهِ عزَّ وجلَّ، وإفرادِه بالعِبادةِ واللُّجوءِ إليه، ونَفْيِ الوَلَدِ والوَالِد عنه سُبحانَه وتَعالَى.

وفي هذا الحَديثِ يَروي أنَسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رجُلًا مِن الأنصارِ -وهو كُلْثُومُ بنُ هِدْمٍ رَضيَ اللهُ عنه- كان يؤُمُّ أصحابَه في الصَّلاةِ بمَسجدِ قُبَاءٍ، وهو أوَّلُ مَسجدٍ اتَّخذَه النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في المدينةِ عندَ قُدومِه إليها مُهاجِرًا، وهو في أوَّلِ المدينةِ مِن جِهَةِ مكَّةَ، وكان كلَّما افتَتَح سُورةً بعدَ الفاتحةِ كان يَقرَأُ قبْلَها سُورةَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، ثمَّ يَقرَأُ معها سُورةً أخرى، فكلَّمَه أصحابُه، فأخْبَروه أنَّ هذه السُّورةَ تُجزِئُ في القِراءةِ بعْدَ الفاتحةِ، وتكونُ بها قدْ أدَّيْتَ الواجبَ مِن القِراءةِ، فإمَّا أنْ تَكتفِيَ بها، أو بالسُّورةِ الَّتي بعْدَها، فرفَضَ الرَّجلُ ذلك، وخيَّرَهم بيْن أنْ يَؤُمَّهم على هذا النَّحوِ، أو يُقدِّموا غيرَه إمامًا إنْ كَرِهوا إمامتَه. فلمَّا أتاهُمُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخبَرَوه بفِعلِ هذا الرَّجلِ -وقد كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَأتي مَسجِدَ قُباءٍ كلَّ سبتٍ، فيَدْخُلُه لِيُصلِّيَ فيه، كما في الصَّحيحَينِ- فسَأَلَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن سَببِ عدَمِ استجابتِه لقَولِ أصحابِه، وإصرارِه على قِراءةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} مع كلِّ سُورةٍ في قِراءتِه، فأخبَرَ الرجلُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ حُبَّه لسُورةِ الإخلاصِ هو الذي حَمَلَه على ذلك، فأقَرَّه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على فِعلِه هذا، وبشَّرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّ حُبَّه لهذه السُّورةِ أدْخَلَه الجنَّةَ، ومَعلومٌ أنَّ دُخولَ الجنَّةِ إنَّما يكونُ فِي الآخرةِ، ولكنَّه لمَّا كان مُحَقَّقَ الوُقوعِ فكأَنَّهُ قد وَقَعَ، فأخْبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِلَفْظِ الماضِي.

وفي الحديثِ: فضْلُ سُورةِ الإخلاصِ.

وفيه: جَوازُ الجمْعِ بيْن السُّورتَينِ في الرَّكعةِ.