باب ما جاء في إنشاد الشعر3
سنن الترمذى
حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أشعر كلمة تكلمت بها العرب قول لبيد:
[البحر الطويل]
ألا كل شيء ما خلا الله باطل «
» هذا حديث حسن صحيح " وقد رواه الثوري، وغيره عن عبد الملك بن عمير
الشِّعرُ نَوعٌ مِنَ الكَلامِ المُنمَّقِ المَوْزونِ المُقَفَّى، يُؤثِّرُ في النُّفوسِ، وحُكْمُه بحسَبِ ما فيه منَ المَعاني؛ فقدْ يكونُ شرًّا وسُوءًا فيُنْهى عنه، وقد يكونُ حِكْمةً وأخْلاقًا، فيُباحُ أو يُؤمَرُ به.
وفي هذا الحَديثِ يُثْني النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على بَيتٍ قاله الشَّاعرُ المُخَضرَمُ الصَّحابيُّ لَبيدُ بنُ رَبيعةَ رَضيَ اللهُ عنه، ويُخبِرُ أنَّه أصدَقُ كَلمةٍ قالها شاعرٌ، وهي قولُه:
ألَا كُلُّ شَيءٍ ما خَلَا اللهَ باطلٌ
أي: كلُّ شَيءٍ سِوى اللهِ تعالَى زائلٌ فائتٌ ليس له دَوامٌ.
وكان أُميَّةُ بنُ أبي الصَّلتِ أيضًا مِن الشُّعَراءِ الَّذين اشتَمَلَ شِعرُهم على الحِكَمِ والتَّوْحيدِ؛ ولذلك قال فيه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وكادَ أُميَّةُ بنُ أبي الصَّلْتِ أنْ يُسلِمَ»؛ لِمَا في شِعرِه مِنَ التَّوْحيدِ ومُقارَبةِ الحقِّ، وكان أُميَّةُ يتَعبَّدُ في الجاهِليَّةِ ويُؤمِنُ بالبَعثِ، وأدرَكَ الإسْلامَ، ولكنَّه لم يُسلِمْ.
ولا يتَعارَضُ مَدحُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شِعرَ لَبيدٍ رَضيَ اللهُ عنه، وأُميَّةَ بنِ أبي الصَّلتِ، مع ما ورَدَ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ النَّهيِ عنِ الشِّعرِ، كما في الصَّحيحَينِ مِن حَديثِ أبي هُرَيْرةَ رَضيَ اللهُ عنه: «لَأنْ يَمْتَلئَ جَوفُ رَجلٍ قَيْحًا يَرِيهِ، خَيرٌ مِن أنْ يَمْتَلئَ شِعرًا»؛ فهذا الحَديثُ وأمْثالُه لا يُرادُ به كلُّ الشِّعرِ، وإنَّما يُرادُ به الشِّعرُ الَّذي فيه الباطلُ والكذِبُ، أوِ السَّبُّ، أوِ المُفاخَرةُ، كما هو غالِبُ شِعرِ الجاهِليِّينَ، وقد كان حَسَّانُ بنُ ثابتٍ رَضيَ اللهُ عنه يُنشِدُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الشِّعرَ بالمَسجِدِ.
وفي الحديثِ: فَضيلةُ الصَّحابيِّ لَبيدِ بنِ رَبيعةَ رَضيَ اللهُ عنه.