باب ما جاء في شأن الصراط
سنن الترمذى
حدثنا عبد الله بن الصباح الهاشمي قال: حدثنا بدل بن المحبر قال: حدثنا حرب بن ميمون الأنصاري أبو الخطاب قال: حدثنا النضر بن أنس بن مالك، عن أبيه، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة، فقال: «أنا فاعل» قال: قلت: يا رسول الله فأين أطلبك؟ قال: «اطلبني أول ما تطلبني على الصراط». قال: قلت: فإن لم ألقك على الصراط؟ قال: «فاطلبني عند الميزان». قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: «فاطلبني عند الحوض فإني لا أخطئ هذه الثلاث المواطن»: «هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه»
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم حريصًا على أمَّتِه، شفيقًا بهم رؤوفًا رحيمًا، ومِن مَظاهرِ هذا الحِرصِ وهذه الرَّحمةِ أنَّه يشفَعُ لهم يومَ القيامةِ، ويسأَلُ اللهَ لهم الخيرَ في هذا اليومِ العصيبِ، ومن ذلك ما يُخبرُ به أنسٌ رَضِي اللهُ عَنه في هذا الحَديثِ، فيقولُ: "سأَلْتُ"، أي: طلَبْتُ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "أن يشفَعَ لي يومَ القيامةِ"، والشَّفاعةُ هي التَّوسُّطِ للغيرِ في حُصولِ خيرٍ ومنفعةٍ، وشفاعةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنواعٌ؛ فتكونُ يَومَ القيامةِ للنَّاسِ حِين يَلحَقُهم كَرْبٌ وغَمٌّ، فيَطلُبون مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أن يشفَعَ لهم عند اللهِ، ويُريحَهم مِن هذا الموقفِ، فيَسأَلُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم اللهَ أن يشفَعَ للخَلْقِ ليَقضيَ بينَهم؛ ليُدخِلَهم الجنَّةَ، ويَشفَعُ فيمَن دخَل النَّارَ أن يُخرِجَه اللهُ منها، ويكونُ شفيعًا لِمَن أطاع اللهَ مِن المُستحقِّين للثَّوابِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لأنسٍ حين طلَب منه ذلك: "أنا فاعلٌ"، أي: سأشفَعُ لك.
فقال أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه: "قلتُ: يا رسولَ اللهِ، فأين أطلُبُك"، أي: في أيِّ مكانٍ مِن الأماكِنِ الَّتي أكونُ محتاجًا إلى شفاعتِك أجِدُك؟ فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "اطلُبْني أوَّلَ ما تَطلُبُني على الصِّراطِ"، والصِّراطُ هو جسرٌ يُمَدُّ على ظهرِ جهنَّمَ، يكونُ أحَدَّ مِن السَّيفِ، وأدَقَّ مِن الشَّعَرةِ، يَجتازُه المُسلِمون، ويكونُ هناك تَفاضُلٌ في المرورِ عليه يومَ القيامةِ؛ فالمؤمِنون يَنْجُون مِن السُّقوطِ في جَهنَّمَ، ومِن النَّاسِ مَن يُطرَحُ ويسقُطُ في النَّارِ، فإذا عُوقبوا على ذُنوبِهم أُخرِجوا منها إلى الجنَّةِ، ما لم يَكونوا كافِرينَ، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أوَّلُ مَن يَجتازُ الصِّراطَ بأمَّتِه، وكلامُ الأنبياءِ يومَئذٍ: اللَّهمَّ سلِّمْ سلِّمْ، فقال أنسٌ: قلتُ: "فإنْ لم أَلْقَك"، أي: فإنْ لم أجِدْك عند الصِّراطِ؟ فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فاطلُبْني عند الميزانِ"، أي: ستَجِدُني عند الميزانِ، وهو ميزانٌ حَقيقيٌّ، له لسانٌ وكِفَّتانِ، تُوزَنُ به أعمالُ العبادِ، خيرُها وشرُّها كما ورَدَ في أخبارٍ أُخرى، قال أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه: قلتُ: "فإن لم أَلْقَك"، أي: أجِدْك عند الميزانِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فاطلُبْني عند الحوضِ"، والحوضُ أعطاه اللهُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إكرامًا له، وهو مِن خَصائصِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، يَرِدُ عليه النَّاسُ يومَ القيامةِ، ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فإنِّي لا أُخطِئُ هذه الثَّلاثَ المواطنَ"، أي: فإنِّي حاضرٌ في هذه المواقفِ لا أتجاوَزُها، ولا تفقِدُني فيهنَّ.