‌‌باب ما جاء في شرب أبوال الإبل

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في شرب أبوال الإبل

حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال: حدثنا عفان قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا حميد، وثابت، وقتادة، عن أنس، أن ناسا من عرينة قدموا المدينة فاجتووها، فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم في إبل الصدقة وقال: «اشربوا من أبوالها وألبانها»: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث ثابت، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أنس، رواه أبو قلابة، عن أنس، ورواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس
‌‌

الخِيانةُ صِفةٌ نَكراءُ تَنفِرُ منها الطِّباعُ السَّويَّةُ، فإذا أُضِيفَ للخِيانةِ القتْلُ والسَّرقةُ ازدادَ سُوؤها وعارُها، واستَحقَّ فاعِلُها أشدَّ العُقوبةِ وأشنَعَها.
وفي هذا الحديثِ يَحكي أنَسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ ناسًا مِن عُرَيْنةَ -وهي حَيٌّ مِن قِبيلةِ بَجِيلَةَ- قَدِموا المدينةَ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ونَطَقوا بِكَلمةِ التَّوحيدِ وأَظْهَروا الإسلامَ، ولكنَّهم كَرِهوا الإقامةَ بالمدينةِ؛ لِمَا أصابهم مِن الدَّاءِ في أجْوافِهم، فرخَّصَ لهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الشُّربِ مِن ألْبانِ إبلِ الصَّدقةِ وأبوالِها، وكانتِ الإبلُ تَرعى خارجَ المدينةِ آنذاكَ، وكان عليها راعٍ يَرْعاها، وكان اسمُه يَسارًا النُّوبيَّ، ففَعَلوا ما أمَرَهم به النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا صحُّوا وعادتْ إليهم ألْوانُهم، كَفَروا بعْدَ إسلامِهِم، وقَتَلوا راعيَ الإبلِ، ومثَّلوا به، واسْتَاقُوا الذَّوْدَ، والذُّودُ مِنَ الإبلِ: ما بيْن الثَّلاثةِ إلى العَشْرةِ، يَعني أنَّهم سَرَقوها، فأُتِي بهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقَطَع أيديَهم وأرجُلَهم، وسَمَرَ أعيُنَهم، أي: كَحَلَها بمَساميرَ مَحميَّةٍ، وتَرَكَهم في الحَرَّةِ، وهو مَوضعٌ في المدينةِ، أرْضُه ذاتُ حِجارةٍ سُودٍ كأنَّها احتَرَقَتْ بالنَّارِ، وترَكَهم يَعَضُّون الحِجارةَ حتَّى مَاتوا على حالِهم؛ جَزاءً لخِيانتِهم، وقِصاصًا لِما فَعَلوه بِراعي النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحَديثِ: التَّحذيرُ مِن الخِيانةِ وسُوءِ عاقِبةِ الخائنينَ.
وفيه: أنَّ العُقوبةَ على قَدْرِ الجُرمِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ التَّداوي بألْبانِ الأبلِ وأبوالِها.