‌‌باب في فضل العرب

سنن الترمذى

‌‌باب في فضل العرب

حدثنا محمد بن يحيى الأزدي قال: حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: حدثتني أم شريك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ليفرن الناس من الدجال حتى يلحقوا بالجبال». قالت أم شريك: يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟ قال: «هم قليل»: «هذا حديث حسن صحيح غريب»

الدَّجَّالُ فِتنةٌ مِن أَعظمِ الفِتنِ إلى قِيامِ السَّاعةِ، وهوَ عَلامةٌ منَ العَلاماتِ الكُبرى لقيامِ السَّاعةِ، فمَن عُصِمَ منهُ فَقدْ نَجا.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه عِندَما يَظهرُ الدَّجَّالُ الكذاب في آخِرِ الزَّمانِ، سَيَفِرُّ النَّاسُ مِن فِتنَتِه فيَسْتقرُّون في الجِبالِ طَلَبًا للسَّلامةِ؛ وذلك لأنَّ الدَّجَّالَ سيَجُوبُ الأرضَ بفِتنتِه عدا مكَّةَ والمدينةَ؛ لأنَّ عليْهما حُماةً مِن الملائكةِ يَمْنعونَه مِن دُخولِهما، فَسَألتْ أُمُّ شَريكٍ رَضيَ اللهُ عنها النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالت: «يا رَسولَ اللهِ، فَأينَ العربُ يَومئذٍ؟» يَعني: إذا كانَ حالُ النَّاس هَذا، فأينَ المُجاهدونَ مِن العرَبِ في سَبيلِ اللهِ المُدافعونَ عنِ الإِسلامِ وأَهلِه، المانعونَ عنْ أَهلِه صولةَ أَعداءِ اللهِ، فَقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «هُم قَليلٌ» كِنايةٌ عن أنَّهم لا يَقدِرون عليه، وزاد في حَديثِ أبي أُمامةَ الباهليِّ رَضيَ اللهُ عنه عندَ ابنِ ماجهْ: «وجُلُّهم ببَيتِ المقْدِسِ، وإمامُهم رجُلٌ صالحٌ، فبيْنما إمامُهم قدْ تَقدَّمَ يُصلِّي بهم الصُّبحَ، إذ نَزَل عليهم عِيسى ابنُ مَريمَ الصُّبحَ» أي: أكثَرُ منَ بَقِيَ من العَرَبِ يكونُ عِندَ بَيتِ المَقْدِسِ مع المَهْديِّ، ثمَّ يَنزِلُ المسيحُ عِيسى ابنِ مَريمَ عليهما السَّلامُ، فيَقتُلُ الدَّجَّالَ الكذَّابَ.
والدَّجَّالُ مِن الدَّجلِ، وهو التَّغطيةُ، سُمِّي به؛ لأنَّه يُغطِّي الحَقَّ بباطِلِه، وهو شَخصٌ مِن بني آدَمَ، وظُهورُه مِن العلاماتِ الكُبرى ليَومِ القِيامةِ، يَبتَلي اللهُ به عِبادَه، وأَقْدَره على أشياءَ مِن مَقدوراتِ اللهِ تعالى؛ مِن إحياءِ الميِّتِ الَّذي يَقتُلُه، ومِن ظُهورِ زَهرةِ الدُّنيا والخِصْبِ معه، وجَنَّتِه ونارِه، ونَهْرَيْهِ، واتِّباعِ كُنوزِ الأرضِ له، وأمْرِه السَّماءَ أنْ تُمطِرَ فتُمطِرَ، والأرضَ أنْ تُنبِتَ فتُنبِتَ؛ فيَقَعُ كلُّ ذلك بقُدرةِ الله تعالَى ومَشيئتِه.