‌‌باب ما جاء في شهادة المرأة الواحدة في الرضاع

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في شهادة المرأة الواحدة في الرضاع

حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن عبد الله بن أبي مليكة، قال: حدثني عبيد بن أبي مريم، عن عقبة بن الحارث قال: وسمعته من عقبة ولكني لحديث عبيد أحفظ، قال: تزوجت امرأة، فجاءتنا امرأة سوداء، فقالت: إني قد أرضعتكما، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: تزوجت فلانة بنت فلان، فجاءتنا امرأة سوداء، فقالت: إني قد أرضعتكما، وهي كاذبة، قال: «فأعرض عني»، قال: فأتيته من قبل وجهه، فأعرض عني بوجهه، فقلت: إنها كاذبة، قال: «وكيف بها وقد زعمت أنها قد أرضعتكما، دعها عنك» وفي الباب عن ابن عمر.: «حديث عقبة بن الحارث حديث حسن صحيح»، وقد روى غير واحد هذا الحديث، عن ابن أبي مليكة، عن عقبة بن الحارث ولم يذكروا فيه، عن عبيد بن أبي مريم ولم يذكروا فيه «دعها عنك» والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: أجازوا شهادة المرأة الواحدة في الرضاع " وقال ابن عباس: «تجوز شهادة امرأة واحدة في الرضاع ويؤخذ يمينها»، «وبه يقول أحمد، وإسحاق»، " وقد قال بعض أهل العلم: لا تجوز شهادة المرأة الواحدة حتى يكون أكثر، وهو قول الشافعي " سمعت الجارود يقول: سمعت وكيعا يقول: «لا تجوز شهادة امرأة واحدة في الحكم ويفارقها في الورع»
‌‌

إرضاعُ المرأةِ طِفلًا غيرَ وَلَدِها تَترتَّبُ عليه أحكامٌ شَرعيَّةٌ؛ فإنَّه يَحرُمُ مِن الرَّضاعِ ما يَحرُمُ مِن النَّسبِ.وفي هذا الحديثِ يُخبِرُنا عُقبةُ بنُ الحارثِ رَضيَ اللهُ عنه عن نفْسِه أنَّه تَزوَّجَ ابنةً لأبي إهابِ بنِ عَزِيزٍ، وكان اسمُها غَنِيَّةَ، وكُنيتُها أمَّ يَحْيى، فأتَتْه امرأةٌ مُرْضِعةٌ، فأخبَرَتْه أنَّها أرضَعَتْه هو والمرأةَ الَّتي تَزوَّجَ بها، أي: إنَّ المرأةَ الَّتي تَزوَّجَها هي أختُه مِن الرَّضاعةِ؛ لأنَّها أرضَعَتْهما الاثنينِ، فكان جَوابُ عُقبةَ رَضيَ اللهُ عنه: ما أعلَمُ أنَّكِ أرضَعْتِني، فاعتذَرَ بأنَّه لا عِلمَ له بذلك، أو أنكَرَ أنَّها أرضَعَتْه مِن الأصلِ كأنَّه اتَّهَمَها، وفي رِوايةٍ للبُخاريِّ أنَّ عُقبةَ «أرْسَلَ إلى آلِ أبِي إِهابٍ يَسأَلُهم فقالوا: مَا عَلِمْناه أرْضَعَتْ صاحِبَتَنا»، فأنْكَروا هم أيضًا رَضاعةَ هذه المُدَّعِيةِ للزَّوجةِ، وللوقوفِ على الأمْرِ رَكِبَ عُقبةُ مِن مكَّةَ؛ لأنَّها كانت دارَ إقامتِه، فذهَبَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمدينةِ، فسَأَله، فأجابَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: كيف وقد قِيلَ؟ أي: كيف تُباشِرُها وقدْ قيل: إنَّها أختُك مِن الرَّضاعةِ؛ وذلك بَعيدٌ مِن ذي المُروءةِ والوَرَعِ، ففارَقَها اتِّقاءً للشُّبهاتِ، أو لفَسادِ النِّكاحِ؛ لأنَّ المرأةَ المُرضِعةَ أثبَتَت الرَّضاعَ، ونَفاهُ عُقبةُ، فاعتمَدَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَولَها، وأمَرَه بفِراقِ امرأتِه، ونكَحَتْ هي زَوجًا غيرَه.

وفي الحديثِ: اتِّقاءُ الشُّبهاتِ.

وفيه: أنَّ مَن لم يَعلَمِ الشَّيءَ فليس بحُجَّةٍ على مَن علِمَه.

وفيه: حِرصُ الصَّحابةِ على العِلمِ، وإيثارُ ما يُقرِّبُهم إلى اللهِ تعالَى.