باب ما جاء في صف أهل الجنة2
سنن الترمذى
حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت عمرو بن ميمون يحدث، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في قبة نحوا من أربعين، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة»، قالوا: نعم، قال: «أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة»، قالوا: نعم، قال: «أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة، إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، ما أنتم في الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر»: «هذا حديث حسن صحيح» وفي الباب عن عمران بن حصين، وأبي سعيد الخدري
لقَد فضَّل اللهُ سُبحانَه وتعالى أُمَّةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأعلى مَكانتَها، وجعَلَها خَيرَ الأُمَمِ، وأنعَمَ اللهُ تعالَى عليها بأنْ جعَلَها أكثَرَ أهلِ الجنَّةِ.
وفي هذا الحديثِ يَحكِي عبْدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيْنَما كان في قُبَّةٍ، وهي خيمةٌ ضُرِبتْ له بمِنًى في حَجَّةِ الوَداعِ في السَّنَةِ العاشِرةِ مِنَ الهِجرةِ، وكانَ الصَّحابةُ رضِي اللهُ عنهم معه -وفي رِوايةِ مُسلِمٍ: أنهم كانوا «نحْوًا مِن أربعينَ رَجُلًا»- فقال لهم ليُبشِّرَهم: «أتَرْضَوْنَ أنْ تَكُونُوا رُبُعَ أهْلِ الجَنَّةِ؟» ثم زادهم في البُشرى، فقال: «أَتَرْضَوْنَ أنْ تَكونوا ثُلُثَ أهلِ الجنَّةِ؟» ثم زادهم في البُشرى أكثَرَ، فقال: قال: «أتَرْضَوْن أنْ تَكونوا شَطْرَ أهلِ الجنَّةِ؟» فلما أجابوه بـ«نعَم» في كلِّ مرَّةٍ، أقسَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم باللهِ مالِكِ النُّفوسِ وخالِقِها، أنَّه يَرْجو مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ أنْ يَكونوا نِصفَ أهلِ الجنَّةِ، وهذه النِّسبةُ تكونُ مِن أُمَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ممَّن أجابُوه وآمَنوا به، مُقابلَ المُؤمِنين مِن الأُمَمِ السَّابقةِ الذين يَدخُلون الجنَّةَ، وقدْ تَدرَّج معهمْ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لِيَسْتَثِيرَ فَرَحَهم، ثُمَّ بيَّن صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ الجنَّةَ لا يَدخُلُها إلَّا نَفْسٌ مُسلِمةٌ، والمرادُ: كُلُّ من شَهِدَ للهِ بالوَحدانيَّةِ، ولنبيِّه بالرِّسالةِ، وهي مُحرَّمةٌ على الكُفَّارِ، ثُمَّ بيَّن لهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ عدَدَ المسلِمين في أرضِ المحشَرِ بالنِّسبةِ لعدَدِ المُشرِكين كنِسبَةِ شَعْرَةٍ بَيْضاءَ في شَعْرِ جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، أو كشَعْرَةٍ سَوْداءَ في جِلْدِ الثَّوْرِ الأحمرِ، وهذا قَليلٌ جِدًّا.
وفي الحَديثِ: كَرامةُ اللهِ تعالَى لهذه الأُمَّةِ ورَحمتُه بها وتَفضيلُه لها على سائرِ الأُممِ.
وفيه: أنَّ مَن مات على الكُفرِ لا يَدخُلُ الجنَّةَ أصلًا.
وفيه: إخبارُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن بَعضِ الغَيبيَّاتِ.