باب ما جاء في صلاة الحاجة
سنن ابن ماجه
حدثنا أحمد بن منصور بن سيار، حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا شعبة، عن أبي جعفر المدني، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت
عن عثمان بن حنيف: أن رجلا ضرير البصر أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ادع الله لي أن يعافيني، فقال: "إن شئت أخرت لك وهو خير، وإن شئت دعوت" فقال: ادعه. فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء: "اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بمحمد نبي الرحمة، يا محمد، إني قد توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى، اللهم شفعه في" (3).
كان الصَّحابةُ رِضْوانُ اللهِ عَليهم كثيرًا ما يَطلُبون مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أن يَدعُوَ اللهَ لهم لقضاءِ حَوائجِهم؛ لأنَّهم يَعلَمون أنَّ دُعاءَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَرْجَى في القَبولِ.
وفي هذا الحَديثِ يَحكِي عثمانُ بنُ حُنيفٍ: أنَّ رجُلًا "ضريرَ البَصرِ"، أي: مُصابًا بضرَرٍ في بصَرِه مِن عَمًى، "أتى" هذا الرَّجلُ "إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقال له: ادْعُ اللهَ أن يُعافِيَني"، أي: تَوجَّهْ إلى اللهِ بالدُّعاءِ أن يُعافيَني ممَّا في بصَري مِن ضرَرٍ، قال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنْ شِئتَ دعَوتُ"، أي: إنْ أحبَبتَ أن أدعُوَ لك بالشِّفاءِ والعافيةِ، "وإنْ شئتَ صبَرتَ"، أي: رَضيتَ بما أنتَ فيه، "فهو خيرٌ لك" في الأجرِ والثَّوابِ بما صبَرتَ على البلاءِ، فقال الرَّجلُ: "فادعُه"، أي: إنَّ الرَّجلَ اختارَ دُعاءَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم له على الصَّبرِ، قال عُثمانُ بنُ حُنيفٍ: "فأمَره النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أن يتَوضَّأ، فيُحسِنَ وُضوءَه"، أي: أنْ يأتيَ فَرائضِ الوُضوءِ وآدابِه، "ويَدْعوَ بهذا الدُّعاءِ"، ثم بعدَ فراغه من وُضوئِه يَدعو ويقول: "اللَّهمَّ إنِّي أسألُك وأتوجَّهُ إليك بنَبيِّك"، أي: أتوسَّلُ إليك بدُعاءِ نبيِّك صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "محمَّدٍ نبيِّ الرَّحمةِ"، أي: الَّذي بعَثْتَه بالرَّحمةِ، "إنِّي توجَّهتُ بك"، أي: توَجَّهتُ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "إلى ربِّي في حاجَتي هذه"، أي: في الدُّعاءِ بشِفاءِ بصَري؛ "لِتُقْضى لي"، أي: لِتَستجيبَ الدُّعاءَ، "اللَّهمَّ فشَفِّعْه"، أي: إنَّه سأَل اللهَ أن يَقبَلَ شَفاعةَ دُعاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في قَضاءِ حاجتِه، وهذا ليس فيه توسُّلٌ بذاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ولا بجاهِه، وإنَّما كان تَوسُّلًا بدُعائه؛ فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم دعا للرَّجُلِ وأمَره أنْ يَدعُوَ هو الآخَرُ، ويسأَلَ اللهَ قَبولَ شَفاعتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفي الحديثِ: فَضلُ الصَّبرِ على البَلاءِ، وأن الدعاء برَفْعِه ليس مَذمومًا.