‌‌باب ما جاء في فضل الصف الأول1

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في فضل الصف الأول1

حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها»، وفي الباب عن جابر، وابن عباس، وأبي سعيد، وأبي، وعائشة، والعرباض بن سارية، وأنس، «حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح» وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه كان يستغفر للصف الأول ثلاثا، وللثاني مرة»

الإسلامُ يَدعو أتباعَه إلى الفضائل، ويَأمُرُهم بتَجنُّبِ النَّقائصِ، رِجالًا ونِساءً، ويَدعو إلى المُسارعةِ إلى الطَّاعاتِ والعباداتِ بالضَّوابطِ الشَّرعيَّةِ، فمَن عَمِلَ الخيرَ والعملَ الصَّالحَ والتزَم ضَوابِطَه، فإنَّه أفضَلُ ممَّن عَمِله ولم يَلتزِم تلك الضَّوابطَ مع قُدرتِه على الإتيانِ بها.
وهذا الحديثُ يُوضِّح أنَّ النِّساءَ لهنَّ أحكامٌ خاصَّةٌ بهنَّ في حُضورِ الصَّلواتِ في المساجِدِ؛ من حيث السُّترةُ والبُعدُ عن مَواطِن الشُّبهاتِ، ومَوضِعُهن من صُفوفِ الرِّجالِ، حيث أخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ أفضلَ مَواقفِ الرِّجالِ أن يَكونوا في الصُّفوفِ الأُولى، ويُسارِعوا إلى الصَّدارةِ في الطَّاعاتِ، وفي الصَّلواتِ خاصَّةً، بأن يَقِفَ في الصَّفِّ الأوَّلِ خَلفَ الإمام، وهذه الحالُ في كلِّ الأمورِ، وفي كلِّ الصَّلواتِ، ويكونُ أكثرَ خَيريَّةً عندَ حُضورِ النِّساءِ للصَّلواتِ؛ فيكونُ الصَّفُّ الأوَّلُ أكثرَ بُعدًا عنِ النِّساءِ.
وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «وشرُّ صُفوفِ الرِّجالِ آخِرُها»؛ لِتَأخُّرِهم عنِ الطَّاعاتِ، وفي الصَّلواتِ؛ لقُربهم من صُفوفِ النِّساءِ.
وعلى العكسِ منَ الرِّجالِ؛ فقد أمَر اللهُ النِّساءَ بالاحتِجابِ والسُّترةِ عنِ الأعينِ؛ ولذلك أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ خيرَ صُفوفِ النِّساءِ وأولاها بالأفضليَّةِ هو آخِرُ الصُّفوفِ؛ لبُعدِها عن صُفوفِ الرِّجالِ والفِتنةِ، «وشرُّها أوَّلُها»؛ لقُربِها من صُفوفِ الرِّجالِ، وتَعرُّضِها أكثَرَ للفتنةِ، وهذا إذا كانتِ الصَّلاةُ في مَسجدٍ يَحضُرُ فيه الرِّجالُ والنِّساءُ، أمَّا إذا انفَرَدتِ النِّساءُ في الجماعةِ، فهُنَّ كالرِّجالِ في أفضليَّةِ الصُّفوفِ الأُولى.
والمُرادُ بشَرِّ الصُّفوفِ في الرِّجالِ والنِّساءِ: أقَلُّها ثَوابًا وفَضلًا، وأبعَدُها من مَطلوبِ الشَّرعِ، وخَيرُها عَكسُه.
وفي الحديثِ: أنَّ كَمالَ الطَّاعةِ مُرتَبِطٌ بأدائها بالضَّوابطِ الشَّرعيَّةِ.
وفيه: حَثُّ الرِّجالِ على المُسارَعةِ إلى الطَّاعاتِ والصُّفوفِ الأُولى في الصَّلواتِ، وهو مَحلُّ الأفضليَّةِ لهم.
وفيه: حَثُّ النِّساءِ على الوُقوفِ في الصُّفوفِ الخلفيَّةِ، أو بالاحتِجاب عن الأعيُنِ، وهو مَحلُّ الأفضليَّة لهنَّ.
وفيه: بَيانُ تَرتيبِ صُفوفِ الرِّجالِ والنِّساءِ في الفَضلِ والثَّوابِ.
وفيه: بَيانُ شِدَّةِ عِنايةِ الشَّرعِ بالحَثِّ على الابتِعادِ عن مَحَلِّ الافتِتانِ؛ فقد أمَر ببُعدِ النِّساءِ عنِ الرِّجالِ لِئلَّا يَقَعَ مَحظورٌ شَرعيٌّ.
وفيه: بَيانُ فَضلِ الرِّجالِ على النِّساءِ؛ حيث يَتقدَّمون عَليهِنّ في المَواطِنِ المُهِمَّةِ، كصُفوفِ الصَّلاةِ، وصُفوفِ القِتالِ، وغَيرِ ذلك ممَّا فَضَّل اللهُ تَعالَى به الرِّجالَ على النِّساءِ.