باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة2
سنن الترمذي
حدثنا أبو كريب قال: حدثنا خلف بن أيوب العامري، عن عوف، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خصلتان لا تجتمعان في منافق، حسن سمت، ولا فقه في الدين»: «هذا حديث غريب ولا نعرف هذا الحديث من حديث عوف، إلا من حديث هذا الشيخ خلف بن أيوب العامري، ولم أر أحدا يروي عنه غير محمد بن العلاء، ولا أدري كيف هو»
بيَّن لنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَحاسِنَ الأخْلاقِ للعَمَلِ على اكْتِسابِها، كما بيَّن سيِّئَها لنَتَجَنَّبَها، كما في هذا الحديثِ حيثُ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "خَصْلتانِ لا يَجْتَمِعانِ في مُنافِقٍ"، أي: لا يَتَّصِفُ بهما شَخْصٌ مُنافِقٌ، وهو مَن يُظهِرُ الإيمانَ، ويُبطِنُ الكُفرَ، والمرادُ بالمنافِقِ، إما حَقيقيٌّ وهو النِّفاقُ العَقَديُّ، أو مَجازِيٌّ وهو النِّفاقُ العَمَليُّ، "حُسْنُ سَمْتٍ"، أي: حُسْنُ هَيْئةٍ ومَنْظَرٍ في الدِّينِ من حُسْنِ الخُلُقِ والسيرةِ، وهو هَيْئةُ أهْلِ الخيرِ والصَّلاحِ، "ولا فِقْهٌ في الدِّينِ"، أي: مَعْرِفةٌ بالعُلومِ الشَّرعيةِ، وحقيقةُ الفِقْهِ في الدِّينِ ما وَقَعَ في القَلْبِ ثم ظَهَرَ في اللِّسانِ فأفادَ العِلمَ، وأوْرَثَ التَّقْوى، وأما تعلُّقُ الفِقهِ باللِّسانِ دُونَ القَلْبِ، فهو بمَعْزِلٍ عنِ الإيمانِ.
وليس المرادُ أنَّ واحدةً منهن قد تَحْصُلُ دُون الأُخرى، بل هو تَحْريضٌ للمُؤْمِنِ أنْ يكونَ مُتَّصِفًا بهما معا، وتَجَنُّبُ أضْدادِهما، فإنَّ المنافِقَ مَن يكونُ عارِيًا منهما، وهو من بابِ التَّغليظِ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على الفِقْهِ العمليِّ في الدين، وهو ما يَنْفَعُ ويَظْهَرُ أَثَرُهُ على المسلِمِ.
وفيه: أنَّ للعالِمِ صِفاتٍ شخصيةً يُعرَفُ بها، منها: حُسنُ السَّمتِ والهَدْيِ .