باب ما جاء في فضل المرابط2
سنن الترمذى
حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة قال: حدثنا محمد بن المنكدر، قال: مر سلمان الفارسي بشرحبيل بن السمط وهو في مرابط له، وقد شق عليه وعلى أصحابه، قال: ألا أحدثك يا ابن السمط بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بلى، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " رباط يوم في سبيل الله أفضل وربما قال: خير - من صيام شهر وقيامه، ومن مات فيه وقي فتنة القبر، ونمي له عمله إلى يوم القيامة ": هذا حديث حسن
للشَّهيدُ- الَّذي قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ لأَجْلِ أن تَكونَ كلمةُ اللهِ هي العُلْيا- فضلٌ كبيرٌ، وأجرٌ عظيمٌ؛ وذلك لأنَّه باعَ نفْسَه وضحَّى بها للهِ تَعالَى.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "رِباطُ يومٍ في سَبيلِ اللهِ"، أي: مُلازَمةُ وحبسُ النَّفسِ لحِراسةِ الأماكنِ الَّتي يَهجُمُ منها العَدوُّ، وأصلُ الرِّباطِ ما تُربَطُ به الخيلُ، ثمَّ قيلَ لكلِّ أَهلِ ثَغْرٍ يَدفَعُ عمَّن خَلْفَه رِباطٌ؛ وذلك إعلاءً لكَلمةِ اللهِ ودِفاعًا عن دينِ اللهِ "أفضَلُ- وربَّما قال"، أيِ: الرَّاوي: "خيرٌ- مِن صِيامِ شَهرٍ وقِيامِه"، أي: في الأَجْرِ والثَّوابِ، "ومَن مات فيه"، أي: وهو مُرابِطٌ في سَبيلِ اللهِ ومُدافِعٌ عن دينِ اللهِ، "وُقِيَ"، أي: وَقاه اللهُ تعالى وعَصَمه وأبعَد عنه، "فِتنةَ القبرِ"، وهو ما يَحدُثُ للميِّتِ مِن سُؤالِ الملَكَينِ وضَمَّةِ القبرِ والعذابِ وغيرِ ذلك، "ونُمِيَ له عَمَلُه"، أي: زاد اللهُ تَعالى للمُرابطِ وأَجْرى لَه ما كان يَعمَلُه مِن أعمالِ الصَّلاحِ، "إلى يومِ القيامَةِ"، أي: يُنمَى له ويُزادُ في الحسَناتِ، ولا يَنقَطِعُ عمَلُه بموتِه، بخِلافِ غَيرِه من النَّاسِ.
وفي الحديثِ: بيانُ أنَّ اللهَ تعالى واسِعُ المغفرةِ والفضلِ، وفضلُ الشَّهيدِ الَّذي ماتَ في سبيلِ اللهِ مُرابِطًا ومُجاهِدًا.
وفيه: إثباتُ فِتنةِ القبرِ وعذابِ القبرِ .