‌‌باب ما جاء في فضل فاطمة رضي الله عنها3

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في فضل فاطمة رضي الله عنها3

حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سفيان، عن زبيد، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساء، ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا»، فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: «إنك إلى خير»: " هذا حديث حسن صحيح وهو أحسن شيء روي في هذا الباب وفي الباب عن عمر بن أبي سلمة، وأنس بن مالك، وأبي الحمراء

حُبُّ آلِ بَيتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُقرِّبُ العبدَ إلى ربِّه سبحانه وتعالى، فبِحُبِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم نُحِبُّهم، ونُنزِلُهم مَنازِلَهم كما أنَزلهم اللهُ دون غُلوٍّ فيهم ولا تفريطٍ في حُبِّهم. وفي هذا الحديثِ يَحكِي عُمرُ بنُ أبي سَلَمةَ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّه لَمَّا نزَلَت هذه الآيةُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ}، أي: يُحِبُّ اللهُ {لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ}، أي: يَمحُوَ عنكم ويُزيلَ الرِّجسَ، وهو اسمٌ لكلِّ مُستقذَرٍ مِن العملِ، وقيل: هو الشَّكُّ، وقيل: العذابُ، وقيل: الإثمُ، {أَهْلَ الْبَيْتِ}، وأهلُ بيتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم الذين حدَّدهم النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وخصَّهم بالدُّعاءِ هنا: هم عليٌّ وفاطمةُ والحَسنُ والحسينُ، {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]، مِن دنَسِ المعاصي والذُّنوبِ؛ فهذه الآيةُ الكريمةُ نزَلَت في بيتِ أمِّ سلَمةَ رضِيَ اللهُ عَنها.
قال: "فدعا"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "فاطمةَ" ابنتَه "وحَسنًا وحُسينًا"، وهما ولَداها، سِبْطَا النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "فجَلَّلهم"، أي: غشَّاهم وغطَّاهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "بكِساءٍ"، أي: بثَوبٍ، "وعلِيٌّ خلْفَ ظَهرِه، فجَلَّله"، أي: فغَطَّاه أيضًا "بكِساءٍ"، أي: بثَوبٍ، ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "اللَّهمَّ هؤلاء أهلُ بيتي"، أي: إنَّ فاطمةَ وزوجَها عليَّ بنَ أبي طالبٍ والحسَنَ والحُسينَ مِن أهلِ بيتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؛ لأنَّهم يَرجِعون إلى أمِّ المُؤمنِينَ خَديجةَ رضِيَ اللهُ عَنها، ولأنَّ فاطمةَ ابنَتُها، وعليَّ بنَ أبي طالبٍ تربَّى في بيتِها وهو صغيرٌ، والحُسينَ والحسنَ مِن فاطمةَ رضِيَ اللهُ عَنها.
وهذا لا يَدُلُّ على أنَّ غيرَهم مِن أزواجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ليسوا داخِلين في أهلِ البيتِ، وإنَّما خصَّهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بالدُّعاءِ لتَكْريمِهم؛ حتَّى لا يُتَوهَّم أنَّهم ليسوا مِن أهلِ البيتِ؛ لأنَّهم يَسكُنون في غيرِ بيتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، ثمَّ دعا لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فقال: "فأَذهِبْ"، أي: أَزِلْ "عَنهم الرِّجسَ"، أي: الإثمَ والخطَأَ، "وطهِّرْهم تطهيرًا"، أي: ونَقِّهم مِن الآفاتِ، فقالت أمُّ سَلمةَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "وأنا معَهم يا نبيَّ اللهِ؟"، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أنتِ"، أي: يا أمَّ سَلمةَ "على مَكانِكِ، وأنتِ على خَيرٍ"، وهذا يَحتمِلُ أن يَكونَ معناه: أنتِ خيرٌ، وعلى مَكانِكِ مِن كَونِكِ مِن أهلِ بيتي، ولا حاجةَ لكِ في الدُّخولِ تَحتَ الكِساءِ؛ كأنَّه منَعها عن ذلك لِمَكانِ عليٍّ، ويَحتَمِلُ أنْ يكونَ المعنى: أنتِ على خيرٍ، وإن لم تَكوني مِن أهلِ بيتي، ولعلَّ الاحتمالَ الأوَّلَ أرجحُ أو هو المتعيِّن.
وأمَّا المقصودُ بآلِ البَيتِ عمومًا؛ فقيل: هم أزواجُه وعليٌّ وفاطمةُ وأولادُهما، وقيل: يَدخُل معهم كلُّ مَن حَرُمتْ عليه الصدقةُ مِن قَراباتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهم آلُ العبَّاس، وآلُ عَقيلِ بنِ أبي طالِبٍ، وقيل غيرُ ذلك.
وفي الحديثِ: فضلُ فاطمةَ وعليٍّ والحسَنِ والحسينِ.