باب ما جاء في كراهية أن يقول عليك السلام مبتدئا2
سنن الترمذى
حدثنا بذلك الحسن بن علي الخلال قال: حدثنا أبو أسامة، عن أبي غفار المثنى بن سعيد الطائي، عن أبي تميمة الهجيمي، عن جابر بن سليم، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: عليك السلام فقال: " لا تقل: عليك السلام، ولكن قل: السلام عليك «وذكر قصة طويلة وهذا حديث حسن صحيح»
كان الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهُم مِنْ أَحْرَصِ النَّاسِ على الخيرِ، وأَشدِّهِمُ انصِياعًا لأَمْرِ اللهِ تعالى وأَمْرِ رسولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ أبو جُرَيٍّ جابرُ بنُ سُليمٍ: رأيتُ رَجُلًا "يَصْدُرُ النَّاسُ عن رأيِه"، أي: يَرْجِعونَ ويَعمَلون بما أَمَرَهم به ويَجْتنِبونَ ما نهاهم عنه، "لا يَقولُ شيئًا إلَّا صَدَروا عنهُ"، أي: يَقْبَلونَ رأيَه ويأخُذون عنهُ كُلَّ شيءٍ، قلتُ: "مَنْ هذا؟" فقالوا له: "هذا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، قال جابرٌ: فقلتُ: "عليكَ السَّلامُ يا رسولَ اللهِ- مرَّتينِ-"، أي: أعاد عليه السَّلامَ مرَّتينِ، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لا تَقُلْ: عليكَ السَّلامُ"، ثُمَّ بيَّن له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأنَّ عليكَ السَّلامُ "تَحيَّةُ الميِّتِ"، أي: في زَمَنِ الجاهليَّةِ، ثُمَّ بيَّنَ لَهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كيفيَّةَ السَّلامِ، فقال له: قُل: "السَّلامُ عليكَ".
ثُمَّ سأله جابرٌ رَضِيَ اللهُ عنهُ، فقال: أنتَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم؟"، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أنا رسولُ اللهِ الذي إذا أصابَكَ ضُرٌّ"، أي: مَكْروهٌ "فَدْعوتَه"، أي: دعوتَ اللهَ دُعاءَ تَضرُّعٍ وتَذلُّلٍ "كَشَفَه" وأَزالَه، ورَفَعَ "عَنْكَ" ما تَكْرَهُه، "وإنْ أَصابَكَ عامُ سَنَةٍ"، أي: قَحْطٌ وجَدْبٌ "فدَعَوتَه، أَنْبتَها لكَ"، أي: جعَلَ الأرضَ تُنبِتُ الزَّرعَ؛ لأنَّ اللهَ هو الذي يُنْزِلُ الغيثَ والمطرَ ويُنْبِتُ النَّباتَ، "وإذا كنتَ بأرضٍ قَفْراءَ"، وهي الأرضُ التي لا يُوجَدُ بها أنيسٌ ولا وماءٌ ولا نباتٌ، "أو فَلاةٍ"، وهي الصَّحراءُ، "فضَلَّتْ راحِلتُكَ في تلك الأرضِ"، أي: بَعُدَتْ عَنْكَ ولم تَجِدْها، "فدَعَوتَه، ردَّها عليكَ"، أي: هَداها اللهُ وأَرْجَعَها إليكَ.
فقال جابرٌ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "اعْهَدْ إليَّ"، أي: أَوْصِ إليَّ بوصيَّةٍ أَعْمَلُ بها، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لا تَسُبَّنَّ أحدًا"، أي: لا تَشْتِمْ أحدًا، واحْفَظْ لسانَكَ عن أذى الآخرينَ، قال جابرٌ: "فما سبَبْتُ بَعْدَهُ حُرًّا ولا عبدًا، ولا بعيرًا ولا شاةً"، أي: بَعْدَ هذه الوَصِيَّةِ؛ إشعارًا منه بامتثالِه أَمْرَ ووصيَّةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
ثُمَّ قال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ولا تَحْقِرنَّ مِن المعروفِ"، أي: لا تَسْتصغِرْ مِن عَمَلِ المعروفِ شيئًا، "وأنْ تُكلِّمَ أخاكَ وأنتَ مُنبسِطٌ إليه وَجْهُكَ"، أي: وإنْ كان مِن هذا المعروفِ أنْ تَبْتَسِمَ في وَجْهِ أخيكَ المسلِمِ إذا لاقَيتَهُ، ثُمَّ قال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "وارْفَعْ إِزارَكَ إلى نِصْفِ السَّاقِ"، أي: اجْعَلْه قصيرًا حتَّى تُحاذِيَ به نِصْفَ السَّاقِ، والإزارُ: الثَّوبُ الَّذي يُغطِّي الجُزْءَ السُّفليَّ من الجِسْمِ، ومِثْلُه القميصُ، "فإنْ أَبْيتَ"، أي: لم تَقْدِرْ "فإلى الكَعْبينِ"، أي: فيَكونُ إلى الكعبَينِ، "وإيَّاكَ وإسبالَ الإزارِ"، أي: نُزولَ الثَّوبِ إلى ما بَعْدَ الكعبَينِ، "فإنَّها مِن المَخِيلَةِ"، أي: الخُيلاءِ والكِبْرِ، "وإنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المَخِيلةَ، وإنِ امرُؤٌ شَتَمَك"، أي: سَبَّك، "وعَيَّرَك"، أي: وَعابَك بما يَعْلَمُه فيكَ، "فلا تُعيِّرْه بما تَعْلَمُ فيه"، أي: فلا تَعِبْه بِمِثْلِ ما عابَك، "فإنَّما وبالُ ذلك عليه"، أي: الإثمُ والوِزْرُ الذي حَصَلَ عليه بما عيَّركَ بِه.
وفي الحَديثِ: الحثُّ على بَذْلِ الإحسانِ وبَذْلِ المعروفِ.