باب ما جاء في كراهية أن يقول عليك السلام مبتدئا3
سنن الترمذى
حدثنا إسحاق بن منصور قال: أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثنا عبد الله بن المثنى قال: حدثنا ثمامة بن عبد الله، عن أنس بن مالك: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم سلم ثلاثا، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا»: هذا حديث حسن صحيح غريب إنما نعرفه من حديث عبد الله بن المثنى
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كما وَصَفَه اللهُ تعالَى بقولِه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]، ومِن ذلِك حِرْصُه على تَعليمِهم وتَفهيمِهم أُمورَ دِينِهم، وفي هذا الحديثِ يَروي أنسٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يُكرِّرُ كَلامَه ثلاثًا إذا أرادَ المَوعظةَ؛ مِن أجلِ أنْ يَفهَمَه المخاطَبون ويَستوعِبوا معناهُ؛ لأنَّ التَّكرارَ أعوَنُ على الحفظِ، وبه يتَّضِحُ اللَّفظُ فيَنقطِعُ عنه المُحتمَلاتُ، وخاصَّةً إذا خشِيَ ألَّا يُفهَمَ كَلامُه، أو لا يُسمَعُ، أو إذا أرادَ الإبلاغَ في التَّعليمِ، أو الزَّجرِ في المَوعظةِ.
وهذا مِن أُصولِ التَّربيةِ التعليميَّةِ في الإسلام؛ لأنَّ الثَّلاثةَ غايةُ ما يقَعُ به البيانُ والإعذارُ.وكذا كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا أتَى على قَومٍ سلَّمَ عليهم ثَلاثًا، ولعلَّ هذا كان هَدْيَه في السَّلامِ على الجمْعِ الكثيرِ الَّذين لا يَبلُغُهم سَلامٌ واحدٌ، أو هَدْيَه في إسماعِ السَّلام الثَّاني والثَّالثِ إنْ ظنَّ أنَّ الأوَّلَ لم يَحصُلْ به الإسماعُ، أو يكونُ إعادةُ السَّلامِ مُرادًا به الاستئذانُ إذا لم يَسمَعِ السَّلامَ الأوَّلَ ولم يُجِبْ، فأمَّا إذا مرَّ على مَجلسٍ فعَمَّهم بالسَّلامِ، أو أتى دارًا فسلَّمَ فأجابوا؛ فلا وَجْهَ للإعادةِ.
ويَحتمِلُ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان إذا أتَى على قَومٍ سلَّمَ تَسليمةَ الاستِئذانِ، وإذا دخَلَ سلَّمَ تَسليمةَ التَّحيَّةِ، ثُمَّ إذا قام مِنَ المجلسِ سلَّم تَسليمةَ الوداعِ، وهي في معنى الدُّعاءِ.