‌‌باب مناقب أبي محمد طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه1

سنن الترمذى

‌‌باب مناقب أبي محمد طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه1

حدثنا أبو سعيد الأشج قال: حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جده عبد الله بن الزبير، عن الزبير، قال: كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعان فنهض إلى صخرة، فلم يستطع فأقعد تحته طلحة، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم حتى استوى على الصخرة، فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أوجب طلحة»: هذا حديث حسن صحيح غريب "

كان الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنهم يُحِبُّون النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم حُبًّا شديدًا، وكان يَظهَرُ ذلك جَليًّا في المعاركِ، حيثُ كانوا يَفْدونه بأنفُسِهم، ويَجعَلون أَجسادَهم دُروعًا يَحْمون بها النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفي هذا الحديثِ يَحكي الزُّبيرُ بنُ العوَّامِ رضِيَ اللهُ عنه: أنَّه "كان على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَومَ أحُدٍ"، أي: في غَزوةِ أُحُدٍ، "دِرْعانِ"، مُثنَّى دِرْعٍ، وهو لِباسٌ مِن حَديدٍ يُوضَعُ على الصَّدرِ والظَّهرِ؛ للوِقايةِ مِن ضرَباتِ السُّيوفِ والسِّهامِ والرِّماحِ، "فنهَض إلى صَخرةٍ فلم يَستَطِعْ"، أي: فأراد النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أن يَصعَدَ على صَخرةٍ لِيُتابِعَ حرَكةَ المعركةِ، فلم يَقدِرْ على الصُّعودِ؛ لِثِقَلِ الدِّرْعَين اللَّذَين كان صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَلْبَسُهما، "فأقعَد تحتَه طَلْحةَ"، أي: فجَعل طلحةُ بنُ عُبيدِ اللهِ نفْسَه سُلَّمًا لِيَصعَدَ عليه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، حتَّى تمَكَّن مِن الصُّعودِ على الصَّخرةِ، "فصَعِد النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم حتَّى استوى على الصَّخرةِ"، أي: بعدَما أعانَه طلحةُ بنَفسِه وجَعَل جَسَدَه سُلَّمًا للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، قال: "فسَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: فسَمِعَ الزُّبيرُ بنُ العوَّامِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يقولُ: "أوجَبَ طَلْحةُ"، أي: وجَبَت الجنَّةُ لِطَلحةَ؛ وذلك لأنَّ طَلْحةَ فدَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بنَفسِه وجعَل جسَدَه دِرعًا يَصُدُّ بها الضَّرباتِ الَّتي كانت مُوجَّهةً إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، حتَّى طُعِن وجُرِح مُعظَمُ جسَدِه، ووصَلَت عَددُ الجِراحةِ فيه ما يَزيدُ على الثَّمانينَ ضَربةً، وشُلَّت يدُه رَضِي اللهُ عَنه الَّتي وقَى بها النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفي الحديثِ: فَضلُ طَلْحةَ بنِ عُبيدِ اللهِ ومُكافَأتِه الجنَّةَ؛ لِتَفديَتِه النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بنفسِه وجسَدِه.