‌‌باب ما جاء في كراهية الإقعاء بين السجدتين

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في كراهية الإقعاء بين السجدتين

حدثنا يحيى بن موسى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع طاوسا، يقول: قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين، قال: «هي السنة»، فقلنا: إنا لنراه جفاء بالرجل، قال: «بل هي سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم»، هذا حديث حسن، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: لا يرون بالإقعاء بأسا، وهو قول بعض أهل مكة من أهل الفقه، والعلم، وأكثر أهل العلم يكرهون الإقعاء بين السجدتين
‌‌

في هذا الحديثِ يَقولُ طاوسٌ: "قلنا"، أي: سألْنا ابنَ عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما في "الإقْعَاءِ على القَدَمينِ"، وهي هيئةُ جُلوسٍ في الصَّلاةِ، فقال: "هي السُّنَّةُ"، قال: فقُلنَا لابنِ عبَّاسٍ: "إنَّا لَنَرَاه جَفاءٌ بالرَّجُلِ"، أي: لا يَليقُ بالإنسانِ أن يَفعَلَ هكذا، والجَفاءُ غِلَظُ الطَّبعِ وتَرْكُ الصِّلةِ والبِرِّ، وتُروَى لفظة (بالرجل) بكسر الرَّاء (بالرِّجْل)، أي: بالقَدَمِ.
فقال له ابنُ عبَّاسٍ: سُنَّةُ نبيِّك صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
هذا، وقدْ وردتْ أحاديثُ في النَّهي عنِ الإِقعاءِ، وفي هذا الحديثِ يُقرِّرُ ابنُ عَبَّاسٍ أنَّه سُنَّةٌ، فجَمَعَ العُلماءُ بينَ هذه الأحاديثِ بأنَّ الإِقْعَاءَ نوعان:
النَّوعُ الأوَّلُ: أن يَلصِقَ أَليتَيْهِ بالأرضِ ويَنْصِبَ ساقَيْهِ- أي: يقوم على رُكْبَتَيه- ويَضَعَ يديهِ على الأرضِ كإِقْعاءِ الكلبِ.
والنَّوعُ الثَّاني: يَجعلُ أليتَيْهِ على عَقِبَيْهِ بين السَّجدتين، وهذا مُرادُ ابنِ عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما بقَولِه: "سُنَّةُ نبيِّكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، والمعنى على ذلك أنَّ الجِلسةَ المذكورَةَ في السُّؤالِ ليستْ هي الإِقعَاءَ المنهِيَّ عنه
قالوا: ويُحتَمَل أنْ يكونَ الإقعاءُ المنهيُّ عنه واردًا في الجُلوس للتشهُّدِ الأخيرِ، والإقعاءُ الذي قال ابنُ عبَّاس عنه إنَّه السُّنَّةُ ورادٌ في الجُلوسِ بَينَ السَّجدتينِ؛ فلا منافاةَ بينهما