‌‌باب ما جاء لا وصية لوارث1

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء لا وصية لوارث1

حدثنا علي بن حجر، وهناد، قالا: حدثنا إسماعيل بن عياش قال: حدثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني، عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع: «إن الله تبارك وتعالى قد أعطى لكل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث، الولد للفراش، وللعاهر الحجر، وحسابهم على الله، ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله التابعة إلى يوم القيامة، لا تنفق امرأة من بيت زوجها إلا بإذن زوجها»، قيل: يا رسول الله ولا الطعام؟ قال: «ذلك أفضل أموالنا» ثم قال: «العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم»: وفي الباب عن عمرو بن خارجة، وأنس وهو حديث حسن وقد روي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه، ورواية إسماعيل بن عياش عن أهل العراق وأهل الحجاز ليس بذلك فيما تفرد به لأنه روى عنهم مناكير، وروايته عن أهل الشام أصح، هكذا قال محمد بن إسماعيل: سمعت أحمد بن الحسن يقول: قال أحمد بن حنبل: إسماعيل بن عياش أصلح بدنا من بقية، ولبقية أحاديث مناكير عن الثقات وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول: سمعت زكريا بن عدي، يقول: قال أبو إسحاق الفزاري: خذوا عن بقية ما حدث عن الثقات، ولا تأخذوا عن إسماعيل بن عياش ما حدث عن الثقات ولا غير الثقات
‌‌_________‌‌_________‌‌_________‌‌+_________‌‌_________‌‌_________‌‌_________‌‌

خطَب النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم خُطبةً في حِجَّةِ الوَداعِ، فكانتْ خُطبةً جامِعةً مانعةً، جمَع فيها مِن الأوامرِ والنَّواهي ما إنْ تَمسَّك بها المسلِمُ نَجا في الدُّنيا والآخرةِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو أُمامةَ الباهِليُّ رضِيَ اللهُ عنه: "سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في خُطبَتِه عامَ حِجَّةِ الوداعِ: إنَّ اللهَ تَبارك وتعالى قد أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه"، أي: إنَّ اللهَ بيَّن وحدَّد لكلِّ وارثٍ نَصيبَه مِن الميراثِ؛ "فلا وصيَّةَ لوارثٍ"، أي: فلا يَجوزُ أن يُوصيَ أحَدٌ بجُزءٍ مِن الميراثِ لوارثٍ له حظٌّ ونصيبٌ في الميراثِ.
وقال أيضًا: "الولَدُ للفِراشِ"، أي: إنَّ المولودَ يُنسَبُ لصاحبِ الفراشِ وهو أبوه، "وللعاهِرِ الحجَرُ"، أي: وللزَّاني الرَّجمُ بالحجَرِ، وقيل: المقصودُ بالحجَرِ الخيبةُ والخُسرانُ، "وحِسابُهم على اللهِ تعالى"، أي: وسوف يُحاسِبُهم اللهُ جميعًا؛ فمَن شاء عَفا عنه، ومَن شاء عذَّبه، "ومَن ادَّعى إلى غيرِ أبيه"، أي: ومَن انتسَب إلى أحدٍ غيرِ أبيه، أو ادَّعى أبًا ليس بأبيه، "أو انتَمى إلى غيرِ مَواليه"، أي: ومَن انتَمى إلى قومٍ وهو ليس مِنهم، "فعليه لعنةُ اللهِ التَّابعةُ إلى يومِ القِيامةِ"، أي: فجَزاؤُه أنَّ اللهَ يَلعَنُه لعنًا مُتواصِلًا إلى يومِ القيامةِ، واللَّعنُ هو الطَّردُ مِن رحمةِ اللهِ.
وقال أيضًا: "لا تُنفِقِ امرأةٌ مِن بيتِ زوجِها إلَّا بإذنِ زَوجِها"، أي: يَنْهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أن تتَصدَّقَ المرأةُ مِن مالِ زوجِها حتَّى تَستأذِنَه ويَرضى، "قيل: يا رسولَ اللهِ"، أي: قال أحدُ الحاضرين للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم سائلًا: "ولا الطَّعامَ؟"، أي: ولا تتَصدَّقُ المرأةُ بالطَّعامِ أيضًا حتَّى تَستأذِنَ زوجَها؟ "قال: ذاك أفضَلُ أموالِنا"، أي: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مُجيبًا للسَّائلِ: الطَّعامُ هو خيرُ أموالِنا، والمقصودُ أنَّ الطَّعامَ داخلٌ في جُملةِ المالِ، بل هو خيرُ المالِ، فلا تتَصدَّقِ المرأةُ مِن الطَّعامِ إلَّا بعدَ أن تَستأذِنَ زوجَها فيَأذَنَ لها.
وقال أيضًا: "العاريَّةُ مُؤدَّاةٌ"، أي: إنَّ مَن استَعار شيئًا فعليه أن يُؤدِّيَه إلى صاحبِه، "والمِنْحةُ مَردودةٌ"، المِنْحةُ هي الشَّيءُ الَّذي يَمنَحُه أحَدٌ لأحدٍ آخرَ، كأَنْ يمنَحَه بَقرةً يَحلِبُها أو نخلةً يأكُلُ ثِمارَها أو أرضًا يَنتفِعُ بها، والمقصودُ أنَّها تُرَدُّ إلى صاحبِها بعدَ الانتِفاعِ بها، "والدَّينُ مَقْضيٌّ"، أي: إنَّ مَن استَدان دَينًا فعَليه أن يَقْضيَ دَينَه، "والزَّعيمُ غارمٌ"، والزَّعيمُ هو الكفيلُ، وغارمٌ أي: مُلزَمٌ بالغَرامةِ، والمقصودُ: أنَّ مَن كان كَفيلًا أو ضامِنًا لِمَدينٍ لَزِمَه قضاءُ الدَّينِ إذا لم يَقْضِ الدَّينَ الرَّجلُ المَدينُ؛ بسبَبِ كَفالتِه وضَمانِه.