باب ما جاء في كراهية الوصال للصائم
سنن الترمذى
حدثنا نصر بن علي قال: حدثنا بشر بن المفضل، وخالد بن الحارث، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تواصلوا»، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله، قال: «إني لست كأحدكم، إن ربي يطعمني ويسقيني» وفي الباب عن علي، وأبي هريرة، وعائشة، وابن عمر، وجابر، وأبي سعيد، وبشير ابن الخصاصية.: «حديث أنس حديث حسن صحيح» والعمل على هذا عند أهل العلم: كرهوا الوصال في الصيام "، وروي عن عبد الله بن الزبير: «أنه كان يواصل الأيام ولا يفطر»
العِباداتُ أُمورٌ توقيفيَّةٌ تُؤدَّى كما أمر بها الشَّرعُ، وقد أُمِرْنا أن نتَّقِيَ اللهَ قَدْرَ الاستطاعةِ دونَ مَشَقَّةٍ على الأنفُسِ، وألَّا نتشَدَّدَ في الدِّينِ؛ لأنَّ النَّاسَ يختَلِفون في قُدُراتِهم وتحمُّلِهم، وحتى لا تمَلَّ النُّفوسُ مِنَ العِباداتِ ومِن أوامِرِ الدِّينِ.
وفي هذا الحَديثِ يخبرُنا أبو هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى أُمَّتَه -رَحمةً ورِفقًا بهم- عن مُواصَلةِ الصَّومِ بتَرْكِ الطَّعامِ لَيْلًا ونَهارًا، قَصْدًا وعَمْدًا؛ حيثُ إنَّ الوِصالَ لَم يُشْرَعْ للأُمَّةِ، وإنَّما هو خُصوصيَّةٌ مِن خُصوصيَّاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فهو يَبيتُ يُطعِمُه ربُّه ويَسقيهِ أثْناءَ اللَّيلِ إمَّا على الحقيقةِ يُطعِمُه مِن طَعامِ الجَنَّةِ؛ فالذي يُفطرُ شَرعًا إنما هو الطعامُ المعتادُ، وأمَّا الخارِقُ للعادةِ فلا، أو المعنى: يجعَلُ اللهُ تعالى فيه قُوَّةَ الطَّاعِمِ الشَّارِبِ، ويُفيضُ عليه ما يسُدُّ مَسَدَّ الطَّعامِ والشَّرابِ، ويُقَوِّي على أنواعِ الطَّاعةِ مِن غَيرِ ضَعفٍ في القُوَّةِ.
وهذا من تمامِ شَفَقةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ورَحمتِه بأُمَّتِه، وخوفِه عليها من المَللِ من العِبادةِ والتَّعرُّضِ للتَّقصيرِ في بعضِ وظائفِ الدِّين.
ويُخبِرُ أبو هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ بعضَ الصَّحابةِ لَمَّا لم يمتَنِعوا عن الوِصالِ -لظَنِّهم أنَّ نَهْيَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ نَهْيَ تنزيهٍ لا تحريمٍ- واصَل بهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الصَّومَ يَومَينِ، ثُمَّ رأَوا هِلالَ شَوَّالٍ، فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لوْ تَأخَّر لزِدْتُكم»، أي: لَيْتَه تَأخَّرَ هِلالُ شَوَّالٍ حتَّى أَزِيدَ في عَددِ أيَّام الوِصالِ، «كالمُنَكِّل بهم حينَ أَبَوْا»، أي: قاَل ذلِك زَجرًا وتَأديبًا لهم؛ حيث كلَّفوا أنفُسَهم ما لا يَطيقون.
وفي الحَديثِ: النَّهيُ عن الوِصالِ.