‌‌باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك3

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك3

حدثنا الحسن بن علي الخلال، وعبدة بن عبد الله الخزاعي البصري أبو سهل، وغير واحد قالوا: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن يزيد بن إبراهيم، عن ابن سيرين، عن أيوب، عن يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حزام قال: «نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبيع ما ليس عندي»: وروى وكيع هذا الحديث، عن يزيد بن إبراهيم، عن ابن سيرين، عن أيوب، عن حكيم بن حزام، ولم يذكر فيه عن يوسف بن ماهك ورواية عبد الصمد أصح وقد روى يحيى بن أبي كثير هذا الحديث، عن يعلى بن حكيم، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عصمة، عن حكيم بن حزام، عن النبي صلى الله عليه وسلم والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم: كرهوا أن يبيع الرجل ما ليس عنده
‌‌

جاء الإسلامُ بنظامٍ اقتصاديٍّ متكامِلٍ، وَضَعَ فيه قواعِدَ مُنضبِطةً لحِفْظِ حُقوقِ النَّاسِ؛ مَنْعًا للغِشِّ والغَرَرِ والخِداعِ في المعامَلاتِ التِّجاريَّةِ والماليَّةِ؛ حتَّى يتسامَحَ النَّاسُ في بَيْعِهم وشِرائِهم، ويَسودَ بينهم العَدْلُ والرَّحمةُ.
وفي هذا الحديثِ يُوضِّحُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحَدَ أحكامِ البَيعِ والشِّراءِ؛ حيثُ سأله حَكيمُ بنُ حِزامٍ رضِيَ اللهُ عنه، فقال: يا رسولَ اللهِ، يأتيني الرَّجُلُ فيُريدُ منِّي البيعَ ليس عِندي، أَفَأَبْتَاعُه له من السُّوقِ؟ أي: إنَّ حَكيمَ بنَ حِزامٍ كان تاجرًا؛ فيأتيه البائِعُ يطلُبُ منه سِلعةً ليسَتْ موجودةً عِندَه حالَ طلَبِها، فيسأل: هل أَبيعُه السِّلعةَ وهي ليسَتْ عندي، ثمَّ أَبْتاعُها؟ أي: أشتريها من السُّوقِ، ثمَّ أُسَلِّمُها للمُشتري؟ فأجابَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بنَهْيهِ عَنْ ذلك، فقال: «لا تَبِعْ ما ليس عِندَك»، أي: لا تَبِعْ شيئًا ليس في مِلْكِكَ حالَ العَقْدِ، وهذا نَهْيٌ عن بَيْعِ عَيْنِ الشَّيْءِ الذي ليس في المِلْكِ؛ وإنَّما نَهى عن ذلك لأنَّه إذا باعَ ما ليسَ عِندَه، فليسَ هو على ثِقةٍ مِن حُصولِه؛ فقد يَحصُل له وقدْ لا يَحصُل؛ فيكون غررًا، والغررُ كلُّ بيعٍ اشتمَلَ على أيِّ نوعٍ مِن أنواعِ الخِداعِ، أو كان مَجهولًا أو معجوزًا عنه.
ويدخُلُ في ذلك كُلُّ شيءٍ ليس بمضمونٍ عِند البائِعِ؛ مِثْلُ أنْ يشتريَ سِلعةً فيبيعَها قبْلَ أنْ يَقبِضَها، ويدخُلُ في ذلك بَيْعُ الرَّجُلِ مالَ غيرِه دونَ إذْنِ مالِكِه موقوفًا على إجازةِ المالِكِ؛ لأنَّه يَبيعُ ما ليس عِندَه ولا في ملكِه وضَمانِه، ولا يَدْري هل يُجيزُه صاحبُه أم لا، وقدْ لا يَستطيعُ تَسليمَه للمُشتري، وأيضًا يَدخُلُ فيه بيعُ أيِّ شيءٍ ليس مقدورًا عليه وقتَ البيعِ، كأنْ يَبيعَه جَمَلَه الشَّاردَ .