باب ما جاء في كراهية كثرة الأكل
سنن الترمذى
حدثنا سويد بن نصر قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا إسماعيل بن عياش قال: حدثني أبو سلمة الحمصي، وحبيب بن صالح، عن يحيى بن جابر الطائي، عن مقدام بن معدي كرب، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن. بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه» حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، نحوه، وقال المقدام بن معدي كرب: عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر فيه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا حديث حسن صحيح»
مِن الوسائلِ الَّتي تَحفَظُ للإنسانِ صِحَّتَه ونشاطَه ألَّا يَبلُغَ في طَعامِه إلى الشِّبَعِ المفرِطِ؛ وذلك حتَّى لا يَضيقَ به التَّنفُّسُ، فيُؤثِّرُ سلبًا في باقي الأعضاءِ والجسدِ مادِّيًّا ومعنَويًّا بتَثاقُلِه عن الطَّاعاتِ، وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ما مَلَأ آدَميٌّ وِعاءً شرًّا من بطنٍ"، أي: يُشبِّهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم البطنَ بما تَحفَظُه مِن طعامٍ وشرابٍ، بمِثلِ الوِعاءِ الَّذي يُتَّخَذُ لحِفظِ الطَّعامِ والشَّرابِ، وأنَّ الإنسانَ يَحرِصُ على امتِلائِه كما يَحرِصُ على امتِلاءِ أوعِيَتِه وأوانيه، ووصَفَه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بالشَّرِّ؛ لأنَّه إذا ما امتلَأ أفْضَى إلى الفَسادِ في دِينِ المرءِ ودُنياه، ثمَّ يُرشِدُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ويُبيِّنُ كيف للإنسانِ أنْ يَملَأَه، فيقولُ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "بِحَسْبِ ابنِ آدمَ أُكُلاتٌ"، وفي روايةٍ: "لُقَيماتٌ" جمْع لُقَيمةٍ، وهي تَصغيرُ لُقْمة، أي: يَكفيه الأخذُ والتَّناوُلُ مِن الطَّعامِ بقَدْرِ لُقَيماتٍ أو أُكيلاتٍ قَليلةٍ "يُقِمْنَ صُلبَه"، أي: ظَهْرَه، والمرادُ: أنَّه يتَزوَّدُ ويأكُلُ بقَدْرِ ما يتَقوَّى به، لا إلى أن يَشبَعَ، "فإنْ كان لا مَحالةَ"، أي: فإذا كان لا بُدَّ له أن يَستزيدَ مِن الطَّعامِ ويتَجاوَزَ فيه فوقَ هذا القَدْرِ، "فثُلثٌ لِطَعامِه وثلثٌ لشَرابِه وثلثٌ لنَفَسِه"، أي: يَجعَلُه ثلاثةَ أثلاثٍ، وخصَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم النَّفَسَ بالذِّكرِ؛ لأنَّ الرِّئةَ تَحتاجُ إلى مِساحةٍ للتَّنفُّسِ، وامتلاءُ البطنِ يُحجِّمُ أمرَها ويُقلِّلُ مِن أدائِها، وفي هذا صحَّةُ الإنسانِ وسَلامتُه مِن الآفاتِ، وهذا ليس فيه مَنْعٌ مِن الشِّبَعِ في بعضِ المرَّاتِ، ولكنَّه إرشادٌ للأفضلِ والأنفعِ للبدَنِ والقلبِ؛ فإنَّ البطنَ إذا امتلَأتْ مِن الطَّعامِ ضاقَت عن الشَّرابِ، فإذا ورَد عليها الشَّرابُ ضاقتْ عن النَّفَسِ وعرَض لها الكَرْبُ والتَّعبُ بحَمْلِه.