‌‌باب الدعوات عن النبي صلى الله عليه وسلم15-2

سنن الترمذى

‌‌باب الدعوات عن النبي صلى الله عليه وسلم15-2

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عثمان الشحام، قال: حدثنا مسلم بن أبي بكرة، قال: سمعني أبي، وأنا أقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والكسل وعذاب القبر». قال: يا بني ممن سمعت هذا؟ قلت: سمعتك تقولهن، قال: الزمهن، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولهن.: هذا حديث حسن غريب

كان الصَّحابةُ الكِرامُ رضِيَ اللهُ عنهم يَتعلَّمونَ من النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الهدْيَ والسَّمْتَ في كلِّ الأُمورِ، ويُعلِّمون مَن بعدَهم ذلك.
وفي هذا الحديثِ يقولُ مُسلمُ بنُ أبي بكْرةَ الأنصاريُّ: "سمِعَني أبي وأنا أقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بك"، أي: أطلُبُ منك الوِقايةَ والحِمايةَ، "من الهَمِّ" وهو الشُّعورُ بضِيقِ النَّفسِ، "والكسَلِ" وهو التَّعبُ والخُمولُ، "وعَذابِ القبْرِ"، أي: مَن أنْ يقَعَ عليه عذابٌ في القبْرِ، والتَّعوُّذُ من عَذابِه مع أنَّ عَذابَ ما بعدَه لمَن عُذِّبَ فيه أشدُّ، فكذلك مَن أمِنَ العذابَ فيه ورُحِمَ كان لِما بعدَه أرحَمَ، قال أبو بكرةَ رضِيَ اللهُ عنه لابنِه: "يا بُنيَّ ممَّن سمِعْتَ هذا؟" أي: ممَّن تعلَّمْتَ هذا الدُّعاءَ؟ وهذا السُّؤالُ والجوابُ مِن حُسْنِ رِعايةِ الصَّحابةِ لأبنائِهم، والتَّنبُّهِ لِما يقولونَه تَعليمًا لهم وتأديبًا، فقال مُسلمُ بنُ أبي بكْرةَ: "سمِعْتُك تَقولُهنَّ"، أي: كان أبو بكرةَ يَدْعو بهنَّ، فامتثَلَ الابنُ به اقتِداءً بأبيه.
قال أبو بكْرةَ رضِيَ اللهُ عنه لابنِه: "الْزَمَهنَّ"، أي: واظِبْ عليهنَّ وداوِمْ، "فإنِّي سمِعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُهنَّ"، أي: إنَّ أبا بكْرةَ رضِيَ اللهُ عنه حفِظَهنَّ عن رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِثْلما أنَّ ابنَه حفِظَهنَّ عنه. وفي روايةِ النَّسائيِّ: "كان يقولُهنَّ في دُبرِ الصَّلاةِ"، أي: أنَّ وقْتَ هذا الدُّعاءِ بعدَ ختْمِ الصَّلاةِ وإتمامِها.
وفي الحديثِ: إثباتُ عذابِ القبْرِ.
وفيه: تَرشيدُ الأبِ لابْنِه وتَعليمُه الدِّينَ.