باب ما جاء في معيشة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم4
سنن الترمذى
حدثنا العباس الدوري قال: حدثنا عبد الله بن يزيد قال: حدثنا حيوة بن شريح قال: أخبرني أبو هانئ الخولاني، أن أبا علي عمرو بن مالك الجنبي، أخبره عن فضالة بن عبيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى بالناس يخر رجال من قامتهم في الصلاة من الخصاصة وهم أصحاب الصفة حتى تقول الأعراب هؤلاء مجانين أو مجانون، فإذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف إليهم، فقال: «لو تعلمون ما لكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة» قال فضالة: «وأنا يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم»: «هذا حديث حسن صحيح»_________
في أوَّلِ الإسلامِ عاشَ أصحابُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في قِلَّةٍ مِن العيشِ، وتَحمَّلوا الجوعَ والفقرَ وقِلَّةَ الزَّادِ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كثيرًا ما يُصبِّرُهم ويُواسيهم ويُعلِّمُهم أنَّ اللهَ ادَّخَر لهم نَعيمًا عظيمًا ليس مِثلَه نعيمٌ.
وفي هذا الحديثِ يَحْكي فَضالةُ بنُ عُبَيدٍ رَضِي اللهُ عَنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّمَ كان إذا صلَّى بالنَّاسِ "يَخِرُّ رِجالٌ مِن قامَتِهم في الصَّلاةِ"، أي: يقَعُ رجالٌ مَغشِيًّا عليهم "مِن الخَصَاصةِ"، أي: ممَّا بهم مِن أثَرِ الفقرِ مِن شدَّةِ الجوعِ والضَّعفِ والحاجةِ الَّتي بهم "وهم أصحابُ الصُّفَّةِ" وهم قومٌ فقراءُ مِن الصَّحابةِ، كانوا غُرباءَ لا بُيوتَ لهم ولا أهلَ ولا مأوَى، وكانَ لهم في آخِرِ المسجد مكانٌ مخصَّصٌ به صُفَّةٌ أو مِظلَّةٌ يَبيتون تحتَها، فسُمُّوا بأهلِ الصُّفَّةِ، "حتَّى تقولَ الأعرابُ"، وهم ساكِنو الصَّحراءِ والبَدْوُ: "هؤلاء مجانينُ أو مجانُونَ"، أي: يظُنُّ الأعرابُ أنَّ هؤلاء القومَ الَّذين يخِرُّون مَغشِيًّا عليهم في الصَّلاةِ مجانينُ، فإذا صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "انصرَف إليهم"، أي: أتاهم "فقال"، أي: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لأهلِ الصُّفَّةِ: "لو تَعلَمون ما لكم عِندَ اللهِ، لأحبَبْتُم أن تزدادوا فاقةً وحاجةً"، أي: لو علِمْتم ما ادَّخَر اللهُ لكم مِن الثَّوابِ والجزاءِ على ما صبَرْتُم، لتمنَّيْتُم أن تَزْدَادوا فقرًا وضِيقًا وقلَّةً في العَيشِ؛ لِمَا سوف تَجدونَه مِن النَّعيمِ.