‌‌باب ما جاء في ميراث البنات

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في ميراث البنات

حدثنا عبد بن حميد قال: حدثني زكريا بن عدي قال: أخبرنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قتل أبوهما معك يوم أحد شهيدا، وإن عمهما أخذ مالهما، فلم يدع لهما مالا ولا تنكحان إلا ولهما مال، قال: «يقضي الله في ذلك» فنزلت: آية الميراث، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما، فقال: «أعط ابنتي سعد الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك»: هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، وقد رواه شريك أيضا، عن عبد الله بن محمد بن عقيل
‌‌

كان أهلُ الجاهليَّةِ يَسلُبونَ مِيراثَ المرأةِ، فلمَّا أتَى الإسلامُ أنصفَها وأعطاها حقَّها، فمِن أَجلِّ مظاهرِ العَدلِ في الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ: أحكامُ الميراثِ، حيثُ حُدِّدَ نَصيبُ كلِّ فردٍ وارثٍ، وأُعطِي كلُّ ذي حقٍّ حقَّه، وقدْ بَيَّن اللهُ عزَّ وجلَّ ذلك بيانًا شافيًا.
وفي هذا الحديثِ يَحكِي جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضيَ الله عنهما: أنَّهم خرَجوا معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، قال: حتَّى جِئنا امرأةً مِن الأنصارِ في الأسواقِ، فأتتْ له بِبنتَيهِ؛ فقالتْ: يا رسولَ اللهِ، هاتانِ بِنتا ثابتِ بنِ قيَسٍ قُتِلَ معكَ يومَ أحُدٍ، وقدْ استفاءَ عمُّهما، أي: استَولى على مالِهما ومِيراثِهما كلِّه؛ فلمْ يدَعْ لهما مالًا إلَّا أخَذَه، وهذا ما كانَ عليهِ أهلُ الجاهِليَّة مِن مَنعِ النِّساء من الميراثِ.
قالتِ المرأةُ: فما ترى يا رسولَ اللهِ؟ تريدُ أن يحكُمَ لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، قالَتْ: فواللهِ لا تُنكَحانِ أبدًا! أي: البنتانِ، إلَّا ولَهما مالٌ، أي: لا يُرغَبُ في الزَّواجِ مِنهما إلَّا وعندَهما مالٌ، فأجابَها النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: يَقضي اللهُ في ذلكَ، أي: يحكمُ الله في هذا الأمرِ، فنزلَ قولُه تَعالى: { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ …} [النساء: 11]؛ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ادْعوا لي المرأةَ وصاحبَها، أي: عمَّ البِنتينِ، فقالَ لهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: أعطِهما الثُّلُثينِ، وأعطِ أمَّهما الثُّمنَ، وما بقِيَ فلكَ.
وهذا حُكمُ الله في تَوزيعِ الميراثِ لِمَن ماتَ ولهُ بِنتانِ فأكثرَ وليسَ معهنَّ أخٌ ذَكَرٌ، ومعَهم أمُّهم، وعَصَبتُهم؛ فتأخُذُ البِنتانِ الثُّلثينِ، وتأخُذ الأُمُّ الثمُن؛ لوجودِ الفَرعِ الوارثِ، وهما البِنتانِ، ويأخُذ عمُّهما الباقي من التركة بالتَّعصيبِ، أي: لأنَّه عصبتُهم.
قال أبو داودَ: أخطأَ بِشرٌ فيهِ، -وهوَ بِشرُ بنُ المفضَّلِ أحدُ رجالِ الإسنادِ-، قالَ: إنَّما هما ابنَتا سَعدِ بنِ الرَّبِيعِ، وثابِتُ بنُ قيسٍ، قُتِلَ يومَ اليمامةِ( ).