باب ما جاء في وقت الجمعة 1
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن الصباح، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، حدثني أبي
عن سهل بن سعد، قال: ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة (2).
في هذا الحديثِ إشارةٌ إلى ما كان عليه صَحابةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن القَناعةِ معَ شِدَّةِ العَيشِ؛ فيُخبِرُ سَهْلُ بنُ سَعدٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ امرأةً -وفي رِوايةٍ أُخرَى في صَحيحِ البُخاريِّ: «عَجوزٍ»- كانتْ تَجتهِدُ في صُنعِ الطَّعامِ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصحابِه رَضيَ اللهُ عنهم كلَّ جُمعةٍ، وكان ذلك عادةً لها، وكانت تَجعَلُ على أربعاءَ، والأربعاءُ: الجَداولُ والأنهارُ الصَّغيرةُ مِن الماءِ، ومعناهُ: أنَّها كانت تَضَعُ على هذه الجَداولِ الَّتي في مَزرعتِها نَباتَ السِّلْقِ، وكانت يومَ الجُمُعةِ تَنزِعُ أُصولَ السِّلقِ فتَضَعُه في قِدرٍ وعليه شَعيرٌ وتَطحَنُه وتَطبُخُه، فتكونُ أُصولُ السِّلْقِ عَرْقَه، أي: مِن أثَرِ الطَّبخِ في المرَقةِ، والعَرْقُ هو اللَّحمُ الَّذي يكونُ على العَظْمِ، والمعنى أنَّ هذا السِّلْقَ كان عِوَضًا عن اللَّحمِ لهم، وكانوا يَمُرُّونَ عليها بعدَ الجُمُعةِ فتُقرِّبُ إليهم هذا السِّلقَ فيَلعَقونه، ويقولُ سَهلُ بنُ سَعدٍ رَضيَ اللهُ عنه: إنَّهم كانوا يَتمنَّوْنَ يومَ الجُمُعةِ لطَعامِها ذلك؛ لأنَّ الصَّحابةَ وخاصَّةً المهاجرينَ رَضيَ اللهُ عنهم لم يَكونوا أغنياءَ إلَّا بعدَ أنْ فتَحَ اللهُ عليهم، فكثُرَتِ الأموالُ بعْدَ الفُتوحِ، أمَّا قبْلَ ذلك فإنَّ أكثرَ الصَّحابةِ كانوا فُقراءَ.وفي الحديثِ: دَلالةٌ على قَناعةِ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم، ورِضاهُم بالقليلِ مِن العَيشِ.وفيه: أنَّ المسلِمَ لا يَنْبغي أنْ يَحقِرَ مِن المعروفِ شَيئًا.