باب ما جاء في يا بني
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال: حدثنا أبو عوانة قال: حدثنا أبو عثمان شيخ له، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يا بني» وفي الباب عن المغيرة، وعمر بن أبي سلمة: " هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقد روي من غير هذا الوجه عن أنس. وأبو عثمان هذا شيخ ثقة وهو: الجعد بن عثمان، ويقال: ابن دينار وهو بصري، وقد روى عنه يونس بن عبيد، وغير واحد من الأئمة "
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكثَرَ النَّاسِ تَواضُعًا، وكان عامَّةُ أصحابِه رِضوانُ اللهِ عليهم يَعرِفون تَواضُعَه.
وفي هذا الحديثِ ما يَدُلُّ على ذلك، حيث أخْبَر المِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ رضِي اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جاءتْ له أَقْبِيَةٌ، وهي نَوْعٌ من الثِّيابِ ضَيِّقٌ مِن لباسِ العَجَمِ، فعَلِم أبوهُ بذلك، وأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُوزِّعها على أصحابِه، فأَخَذ ابْنَه المِسْوَرَ وذَهَبَا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وزاد البخاريُّ في روايةٍ أُخرى أنَّه قال لابنِه: «عسى أن يُعطِيَنا منها شيئًا»، فلما ذَهَبا وَجَداه في بَيْتِه، فقال مَخْرَمَةُ لابنِه: ادْعُ لي النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فاسْتَعْظَمَ المِسْوَرُ أنْ يَدْعُوَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأبِيه؛ لأنَّ رفيعَ مَقامِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وشريفَ مَنزِلَتِه لا يقتضي ذلك، فقال لأبِيه مُستنكِرًا: أَدْعُو لك رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! كأنَّه يريدُ أن يقولَ: بل نذهَبُ إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مكانِه الذي هو فيه، فقال أبوهُ: يا بُنَيَّ، إنَّه لَيْسَ بِجَبَّارٍ، أي: ليس من صفاتِه الكِبْرُ الذي يمنَعُه من إجابةِ مَن دعاه، فدَعَاه المِسْوَرُ، فخَرَج النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -مِن تَواضُعِه- إليه، وكان عليه قَبَاءٌ مِن دِيبَاجٍ، وهو نَوْعٌ نَفيسٌ مِن الحَرِيرِ، «مُزَرَّرٌ بالذَّهَبِ»، فَقالَ: «يا مَخْرَمَةُ، هذا خَبَأْنَاهُ لكَ»، يعني: احْتَفَظْنَا به لك، «فأعْطَاهُ إيَّاهُ»، وهذا يَحتمِل أنْ يكونَ قبْلَ تَحريمِ الذَّهَبِ والحريرِ، ويَحتمِلُ أنْ يكونَ بعْدَه، فيكونُ إعطاؤُه له لِيَنْتَفِعَ به؛ بأنْ يَبِيعَه أو يَكْسُوَه النِّساءَ، ويكونُ معنَى قولِه «فخَرَج وعليه قَبَاءٌ»، أي: على يَدِه، فيكونُ مِن إطلاقِ الكُلِّ على البَعْضِ.
وفي الحَديثِ: دُعاءُ الخَليفةِ والعالمِ وإخراجُه لِمَا يَظهَرُ إليه مِن حاجاتِ النَّاسِ، وأنَّ ذلِك مِن التَّواضُعِ والفَضْلِ.
وفيه: حُسنُ تلَطُّفِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأصحابِه.